تدور مناقشات ساخنة بين التيارات الدينية بدرجاتها المختلفة من اخوان وسلفيين وجماعات اسلامية إلي التيارات الليبرالية واليمينية, ومرورا باليسار وأطيافه المختلفة, وانتهاء بالائتلافات والحركات الشبابية الجديدة,
تدور مناقشات ساخنة حول شكل مستقبل النظام السياسي وشكل الدولة. وبعض هذه المناقشات يتسم بالهدوء والموضوعية وبعضها الآخر يميل إلي الحدة واستعراض العضلات ومحاولة الانفراد بالمشهد واقصاء الآخر.قضية الاسبوع تحاول رصد ملامح الخريطة السياسية في مصر ورؤية التيارات المختلفة لمستقبل النظام السياسي من أجل الخروج بنظام توافقي تعددي يقبل المنافسة والتعددية ويرفض الإقصاء والانفرادية
أوجه للخلاف والاتفاق بين التيارات الإسلامية
الحديث عن التيارات الإسلامية يستلزم أن نقر بتنوعها ووجود اختلافات جوهرية في توجهاتها مما يقتضي ألا ننظر اليها كلها كتيار واحد, ولكن يوجد منها الاخوان المسلمون والجماعات الإسلامية ـ بتنوعها ـ والجمعية الشرعية والطرق الصوفية والسلفية.
وكل منها له توجهاته وأفكاره وسياساته ومرجعياته وأهدافه وأساليبه في التنفيذ وإبداء الرأي, ومدي قبول الرأي الآخر, وغير ذلك من الاختلافات التي لا تنتقص من أهمية هذه التيارات وشعبيتها في الشارع السياسي, وهذا ما نرصد بعض ملامحه في السطور التالية:يقول الدكتور محمد يسري أستاذ العقيدة ورئيس جمعية أنصار السنة المحمدية إننا نؤمن بالدولة المدنية بمرجعية دينية تحكم بالشريعة الإسلامية ويعيش الناس فيها في ظل العدل وتتعايش مع العالم, ورغم تعدد التيارات الدينية في مصر الا أن جميعها يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية, ونحن علي تواصل مع الجميع وتظلنا راية الإسلام, وهناك العديد من أوجه الاتفاق ومرجعنا الكتاب والسنة, وإن وجدت مسائل خلافية في بعض القضايا التي اختلف فيها العلماء, ونحن نذهب إلي القول الراجح المؤيد بالدليل, والخلاف واقع بين التيارات الدينية في الأمة الإسلامية في بعض القضايا, ولكن لا يدفعنا إلي التناحر والشقاق, ويري أنه خلاف إيجابي, ونحن نؤيد الحق بصورة عامة خاصة من تمسك به, ولا يوجد صراع بين الجمعات الإسلامية والإخوان والسلفيين, لكن بيننا تواد وترابط, ومن كان معه الحق سنقف بجواره.الدينية مدنية!فضيلة الدكتور محمد المختار المهدي الأستاذ بجامعة الأزهر ورئيس الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة سألته عن رؤية التيارات الإسلامية ومستقبل مصر ورؤيتهم نحو إقامة دولة دينية أم مدنية.. فأجابني فضيلته بأن هناك خطأ نقع فيه, فالدولة الدينية هي مدنية وليست عسكرية, فالدولة الدينية كان لها منشأ لا ينطبق علي حالة الدولة الإسلامية, فأي مصطلح سياسي يجب أن ننظر لمصدره أولا وإلي مستنده الفكري والتطبيقي, فحينما نستعمل مصطلح الدولة المدنية نجده قد نشأ في الغرب بعد القضاء علي الدولة الدينية الثيوقراطية التي كان فيها رجال الدين يدعون الحق الإلهي للحكم علي الناس وبذلك أخذت موقفا من الدين عامة علي أساس أن الشعب هو الذي يحل ويحرم في النظام الديمقراطي يجعل السلطة كاملة للشعب دون النظر إلي التعاليم الإلهية, وبناء علي ذلك نحن نقول إن الإسلام يختلف اختلافا جذريا عن الدولية الدينية التي كانت في أوروبا, لأن الوحي قد انقطع بوفاة رسول الله صلي الله عليه وسلم, فلم يعد لأحد اتصال بتنزل أحكام جديدة اليوم أكملت لكم دينكم....., وتكفل الله بحفظ القرآن من أي تزييف أو زيادة أو نقصان, وبناء علي ذلك انحسرت مهمة الحاكم في الإسلام, ومهمة الشعب المسلم في طرق تنفيذ أوامر الله عز وجل أو كما يقول الفقهاء: إن الحاكم في الإسلام يسوس الدنيا بالدين, ومهمة البشر هنا التفنن في طرق تنفيذ الوحي الالهي بحسب ظروف كل عصر وكل بيئة وهذا هو الاجتهاد, ويكون الاجتهاد في الأمور التي تحتمل أكثر من رأي.ثوابت لا تتبدلأما الثوابت ـ كما يضيف الدكتور محمد المختار ـ فليس للبشر أن يغيروا فيها أو يبدلوها, فلو قال الشعب إن الزنا حلال لا يسمع لكلامهم, هذا ما نراه في التطبيق العملي للدولة المدنية في الغرب حيث أحلت الزنا والشذوذ الجنسي والربا والخمر وهذه جميعها محرمة في الإسلام والأديان الأخري, وكذلك الأحوال الشخصية التي يتميز بها الإسلام وينادي الغرب الآن بالعدوان عليها بحجة المساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء, بناء علي ذلك نحن نحصر مهمة الدولة المدنية والديمقراطية في غير هذه الثوابت, وهذا ما يقال عنه( المرجعية الإسلامية), أو هو المادة الثانية من الدستور المصري بحكم أن غالبية الشعب تدين بالإسلام, ويجب علي غير المسلمين ألا يخشوا تطبيق الشريعة الإسلامية بهذا الشكل حيث أمرنا الله والرسول أن نتركهم وما يدينون به وفقا لشرائعهم بكل حرية.نقاط الخلافأما عن نقطة الخلاف بيننا وبين السلفيين فإننا لا نتعصب لمذهب معين ودراستنا الأزهرية تفتح المجال لكل المذاهب السنية المعتبرة, والخلاف الثاني أننا ننشغل بالسياسة وهم يشتغلون بها, وهنا يقصد الإخوان المسلمين, أما النقطة الثالثة ويراها قنبلة فهي أن الخلاف القائم بين السلفية والصوفية لا مجال له اذا احتكمنا إلي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم, فالسلفية الحقيقية هي المتبعة لسير الصحابة والتابعين, وكانوا غير متعصبين لمذهب معين, وكانوا أيضا علي درجة عالية من الورع والزهد والعبادة, وهذا ما تنادي به الصوفية الحقيقية بعيدا عن البدع والخرافات والمظاهر الشكلية التي التصقت بالصوفية وليست منها في الأصل, واذا ترك السلفيون التعصب, وترك الصوفيون البدع لالتقت جميع التيارات الإسلامية في صف واحد.وبالنسبة للإخوان, يشير الدكتور محمد المختار إلي أنهم ليسوا متعصبين ولا أري عندهم بدعة, لكن المسألة اشتغالهم بالسياسة, حيث تخصصوا في ذلك, فكلنا كتيارات إسلامية في الأغلب نتعاون علي أي عمل يخدم الإسلام, فهم يرون الاصلاح من أعلي, والجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة تري الاصلاح من القاعدة بالتربية والتعليم الصحيح, ولو أخلصنا النية فلن نلتفت للخلافات ونكون علي قلب رجل واحد, وهناك تقارب لا ينكره أحد والأمل كبير في إدراك واجب الوقت يعني الموقف الحالي لمصر.ويقسم الدكتور جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة بورسعيد التيارات الدينية في مصر لاتجاهين الأول متمثل في الأخوان المسلمين وهي مجموعة أقرب للدولة الديمقراطية اذا وصلت للسلطة, حيث لديهم الاستعداد للانخراط في الطريق الديمقراطي وهذا الطريق أقرب للحياة المدنية والدولة الديمقراطية, وأعتقد أنهم يمكن أن يحققوا نجاحا مثلما حدث في تركيا, لكن الأمر يحتاج إلي مجهودات كبيرة, والقسم الثاني بقية التيارات الدينية الأخري, هم أقرب لمفهوم الدولة الدينية الكلاسيكية مثل السعودية, والقضية الأساسية ـ وليأت من يأتي إقامة دولة ديمقراطية ونظام قوي والمواطن المصري أساسه, ويتم فيه اتاحة الفرص للجميع للتعبير عن آرائهم, وهي تضمن تداولا سلميا للسلطة, ويجب الانحياز للنظام البرلماني ويكون الرئيس حكم بين جميع الأطراف, وتعمل الحكومة في إطار برنامج معلن, ولابد من دستور قوي واضح سليم يضمن نظاما مستقلا.
أحزاب تحت التأسيس طالبت بدولة مؤسسات منفتحة..والائتلافات ترفض التمييز
برغم أن الائتلافات والأحزاب الجديدة وتحت التأسيس كثيرة ومتعددة إلا أنها قد تتفق في صورة الدولة التي تنشد تحقيقها. فهي تضع لها ملامح تقوم علي المواطنة وعدم التمييز أو التفرقة وفي نفس الوقت ترفض فكرة الدولة الدينية.
وان كانت هذه الائتلافات تري أنه لا يمكن ابعاد الدين وانه ينبغي تحديد العلاقة بين الدولة والدين في إطار يسع الجميعوسطي معاصرحاتم عزت وكيل مؤسسي حزب الحضارة يقول حزبنا هو حزب وسطي معاصر ذو هوية مصرية إسلامية ونطالب بدولة مدنية وهي دولة مؤسسات يحكمها القانون ويتم الانفتاح للتعبير وتشكيل الأحزاب والممارسات السياسية ونحن نري أن مصير دولة دائما مدنية لها مرجعية إسلامية ولكنها كانت دولة مستبدة منذ ثورة32 يوليه ونطالب بدولة تقوم علي أساس المواطنة ولا تفرق بين مصري وآخر في أي شيء وتحترم الثقافة والهوية الحضارية الإسلامية لمصر.ويؤكد ان الائتلافات التي صاحبت الثورة حوارية وهي لا تتمسك برأي واحد وتسعي لتقبل كافة الآراء.لا ننفصل عن الديند.محمد فهمي منزه أحد الوكلاء لمؤسسي حزب الحرية يؤكد أننا كحزب ننادي بدولة مدنية ونحن لا نفصل الدين عن الدولة ونسعي لتنظيم العلاقة بين الدين والدولة من خلال القوانين والأطر المدنية التي تضعها الدولة وبحيث لا يكون هناك فكر ثابت وجامد نحاول أن نفرضه علي الآخرين فنحن نسعي للحوار والطرح بين الجميع وهذا الطرح قابل للصواب والخطأ ومن هنا نرفض أفكارا دينية لا تحتمل الجدل والمساءلة والحوار.ويضيف أن المرحلة الحالية لابد من توافر قواعد وأسس موجهة لواضعي الدستور وهي تمثل مباديء مهمة لأسباب عملية ونفسية فشكل تكوين الدستور المقترح له خصوصية وبالتالي فان المباديء الحاكمة من المهم أن تكون في هذه المرحلة ولا يحجر هذا مع عمل اللجنة التأسيسية وهذا لا يمثل تدخلا في عمل اللجنة.ويقول إننا في حاجة للحد بشكل كبير من السلطات الحالية الممنوحة لرئيس الدولة والمبالغ فيها في الدساتير السابقة مع إطار أكبر للبرلمان في التشريع والرقابة ويكون في إطار سلطة في مواجهة الرئيس وبالتالي يمكن أن نصل إلي التخطيط لنظام مختلط يجمع الرئاسي والبرلماني بشكل يضمن حيوية المجتمع.9 مجموعاتزياد العليمي المتحدث الرسمي باسم ائتلاف شباب الثورة الذي يضم9 مجموعات6 ابريل ـ العدالة والحرية حملة دعم البرادعي ـ شباب حزب الجبهة الديمقراطي ـ شباب الإخوان المسلمين ـ شباب حزب الغد ـ شباب حزب الكرامة ـ اتحاد الشباب التقدمي التابع لحزب التجمع وشباب حزب الوفد يقول إن مصر في الأصل دولة مدنية وهي تضم كل الفئات والطوائف ونحن نطالب ببقائها دولة مدنية في إطار مرجعية القانون والدستور والاتفاقات الدولية, وهي في الشكل لا تختلف عن الدولة الحالية إلا في تطبيق ممارسات تضمن التعامل مع المواطنين المصريين بصرف النظر عن دينهم ولونهم.ويضيف أن الدولة لا تحكم إلا بالقانون والدستور وهذا يتطلب مناخا قانونيا عاما يضمن عدم التفرقة بين المواطنينويري تفعيل دور سيادة دولة القانون وأن يكون القانون والدستور المرجعية الرئيسية للدولة واعتقد أن المادة الثانية من الدستور لا اعتراض عليها في الأصل وإنما البعض يستخدمها بشكل مفتعل وتستفيد منها التيارات الدينية لجلب الأصواتويشير إلي أن الشعب المصري فرض رؤيته وأزال مبارك والاعتصام حق مكفول وليس هناك من ينشد الجلوس في الشوارع والميادين ولكن التباطؤ في تنفيذ مطالب الثورة هو المحرك للاعتصام فالاستجابة لا تتم إلا بالاعتصام.
الأحزاب الليبرالية واليسارية: الدولة المدنية.. المخاض الصعب
التيارات الليبرالية والاحزاب اليسارية لاتزال متمسكة بالدعوة إلي الدولة المدنية وزاد تمسكها بمطلبها بعد أن رفع التيار الاسلامي شعار إسلامية إسلامية في جمعة لم الشمل.
والسؤال الآن: كيف تنظر الأحزاب لهذه الدولة المدنية ما هي قواعد هذه الدولة, وما آلياتها؟الدولة المدنية ـ كما يقول الدكتور رفعت السعيد أمين عام حزب التجمع ـ ليست اختراعا, ومن حيث المظهر فهي ليست عسكرية, ومن حيث الفكر ليست ثيوقراطية أي لا يحكمها من يزعمون أنهم يتحدثون باسم السماء, وإنما هي دولة لكل مواطنيها بغض النظر عن الدين والجنس, والوضع الاجتماعي, وهي دولة تكفل لمواطنيها كل الحقوق بالتساوي الكامل, والدستور فيها لا يخضع لأغلبية ولا لأقلية, مشيرا إلي أنه كان هناك نوع من الإيحاء بأن الحكم في مصر يميل باتجاه الإخوان, وقد تمثل ذلك في اختيار رئاسة وعضوية لجنة التعديلات الدستورية, وتجلي ذلك الأمر بوضوح أكثر في قانون مباشرة الحقوق السياسية, الذي لم يضع نصا يمنع الإنفاق الزائد, ولا يضع سقفا له, ولا عقوبة علي تجاوزه, وبالتالي أصبحت ميزانية الإنفاق مفتوحة, ومعلوم أيضا من يستطيع أن ينفق إلي ما لا نهاية, كما لم يتضمن القانون نصا يمنع إقحام الشعارات الدينية في العملية الانتخابية, لكن بشكل عام هناك تيار يريد دولة مدنية, وهذا التيار يجب أن يتوحد لكي يحقق إرادته.مرجعية الدستور القانونوالأمر كذلك فإن الدكتور أسامة الغزالي حرب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية يري أن الدولة المدنية تعني أن مرجعيتها الأساسية هي الدستور والقانون, بالإضافة إلي كل ما يحدده, وما يتكامل معه, وبما يؤكد التزام مصر بالمعاهدات التي توافقت عليها البشرية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان, وهي مكملة للدستور والقوانين المصرية, وهي دولة تقوم علي أساس المواطنة, وهي في رأيه عماد الدولة المدنية, وفي هذه الدولة المدنية يكون المواطنون جميعا متساوين في الحقوق والواجبات دون تمييز, وأن يتمتع فيها كل المواطنين بحرياتهم وحقوقهم, ومن الناحية الظاهرية, فالدولة المدينة لا هي عسكرية, ولا هي دينية, والسلطة المدنية فيها للشعب, ومصر طوال عمرها دولة مدنية منذ أن قامت الدولة الحديثة, وهي نموذج متحضر, ومشرف للدولة المدنية, فهي دولة تحترم القانون, والدين, وإظهارها بعكس ذلك في تقديري كلام فارغ كما أنها لا تخلط الدين بالسياسة, ويحظي فيها المواطن بحريته في التعبير عن رأيه, وإقامة شعائره الدينية, وهي دولة قادرة علي التطور والإبداع, وقد أثبت التاريخ أن الدولة التي ابتعدت عن نموذج الدولة المدنية, وخضعت لحكم العسكر حدثت بها كوارث.بين الدين والسياسةوالواقع ــ والكلام مازال لرئيس حزب الجبهة الديمقراطية ــ أنني أدعو إلي تنظيم العلاقة بين الدين والسياسة بحيث لا يضر أي منهما بالآخر, ففي الدولة المدنية, يضع الدستور الإسلام في مكانه الحقيقي, ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع, ونحن لا نحتاج لمن يذكرنا بالدولة الإسلامية, فمصر تحترم الدين الإسلامي, وهي بلد الأزهر الذي قاد الدعوة الإسلامية طوال قرون عديدة, ولايزال, ومن حق الجميع ــ في النهاية ــ أن يعبروا عن آرائهم بشرط احترام قواعد الديمقراطية, والقبول بالآخر, فما حدث في الجمعة الماضية جعل الناس تشعر بأنه هناك توجهات لا علاقة لها بالديمقراطية.مدنية.. لا عسكرية ولا دينيةيتفق معه الدكتور عمرو حمزاوي وكيل المؤسسين لحزب مصر الحرية مؤكدا أيضا أنه لا خلاف حول طبيعة الدولة المدنية, فهي ليست عسكرية ولا دينية... ويدار الشأن العام فيها من خلال سلطات عامة تشريعية, وتنفيذية, تنتخب من الشعب, وتراقب المؤسسة العسكرية والأمنية, ولا تحكم هذه الدولة باسم الدين, سواء كان ذلك من قبل فرد أو جماعة أو مجموعة أو مؤسسة, وهي أيضا دولة مواطنة, وحقوق متساوية للجميع دون تمييز, وهي أيضا دولة تضمن الحريات المدنية, والسياسية, والدينية, بما لا يتعارض مع الصالح العام, والمرجعية الأساسية لهذه الدولة هي الدستور والقانون, وبداخل هذه المرجعية الدستورية مرجعية دينية وتتمثل في المادة الثانية من الدستور مباديء الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.والدولة المدنية ــ كما يقول حمزاوي ــ لا تعادي الدين لكنها تنظم العلاقة بين الدين والسياسة, لضمان عدم احتكار الحديث باسم الدين, وعدم الخلط بين المساحة الدينية, والنواحي السياسية, فالدين مقدس, بينما السياسة بها تقلبات ومرونة, لكنها يجب أن تبقي سياسة نزيهة تبغي الصالح العام, من هنا تهدف الدولة المدنية لتنظيم العلاقة بين المساحتين السياسية, والدينية, بحيث لا يحدث خلط بين الدين والسياسة.. وأنا مازلت أؤمن بأن أغلبية المواطنين يريدون دولة ذات طبيعة مدنية, وفي الجانب الآخر من المشهد السياسي هناك مجموعة تريد الاستئثار بمستقبل الوطن, ومصيره, وتحتكر الحديث في السياسة بأسم الدين, ولا يلتزمون بما يقطعون علي أنفسهم من تعهدات, لكن في النهاية أقول أن القوي السياسية لابد أن تقوم بالتنسيق, فيما بينها, إن لم يكن اندماجا, بحيث نتلافي أخطاءنا, ونحن نبحث عن التوافق في المرحلة المقبلة لمصلحة الوطن, لأن الاختلاف, يقلق الرأي العام.إسلامية... إسلاميةوقد خلق شعار إسلامية.. إسلامية الذي أطلقه التيار الديني خلال الجمعة قبل الماضية في ميدان التحرير ــ كما يقول طارق زيدان ــ منسق عام ائتلاف مصر الحرة ــ حالة من الالتباس لدي البعض, فالشعار ــ في تقديري ــ لا يعني المطالبة بدولة دينية, لكن كان المقصود منه التأكيد علي هوية الدولة, وأن مصر دولة إسلامية, ولم يقل أحد غير ذلك.. فالسلطة الدينية ليست موجودة في الإسلام إلا عند الشيعة, والسلفيون هم أكبر فصيل مضاد لهم.ولان شعار الشعب يريد كذا وكذا قد أصبح شعارا عاما, وثابتا منذ قيام ثورة52 يناير, فإن السلفيين قد اتخذوا شعارا أيضا حين قالوا أن الشعب يريد تطبيق الشريعة, وهذا لا يعني أنهم يريدون فرض رؤيتهم علي الشعب المصري, لاسيما أنهم لم يفرضوها من قبل, ولم يسعوا إلي ذلك, وكما هو معروف فإن السلفيين لم يمارسوا العنف, ولم يخرجوا بالسلاح, ومن حق كل فصيل أن يعبر عن رأيه, ويبقي صندوق الانتخابات هو الفيصل في النهاية, وإذا حدثت الانتخابات, وأصبح لدينا ممثلون حقيقيون عن الشعب سنعرف وقتها ماذا يريد الشعب.احتكار الحديث باسم الدينغير أن أبو العز الحريري أحد مؤسسي التحالف الشعبي الاشتراكي يؤيد الدولة الديمقراطية, وليس الدولة المدنية لأنها قد تكون مدنية ويحكمها ديكتاتور, والديمقراطية هي التي تأتي بالأسس التي تقوم عليها الدولة المدنية, كالحوار, وحرية الرأي والتعبير, واحترام وقبول الآخر, وحرية انسياب المعلومات, والشفافية والنزاهة, واحترام الدستور والقانون, وتطبيقه علي كل المواطنين دون استثناء.ولاشك في أننا نواجه حاليا أكبر المخاطر التي تحيط بالثورة المصرية, وأتذكر جملة شهيرة لــ علي بلحاج أحد قادة جبهة الإنقاذ السياسي في الجزائر, والذي قاد أكبر حملة لجمع توكيلات للانتخابات باسم الدين, وحين تحقق له الأغلبية, وتصور أن الجزائر قد دانت له, أطلق صرخته المدوية لقد جئنا بقطار الديمقراطية لنقول لها وداعا... وهذا في تقديري يمثل جوهر ما كان يحدث في الجمعة الماضية, وبرغم اعتقادي في أن القوي التي كانت موجودة يوم الجمعة الماضية في ميدان التحرير مخلصة ووطنية, ولديها توجهات طيبة إلا أن هذه التوجهات ليست السبيل للحياة الصحيحة.
المصدر: الاهرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق