الخميس، 18 أغسطس 2011

أقســــام الشــرطة تطـــلب الحمـــاية‏!‏



ماذا حدث لأقسام الشرطة؟‏!‏ فيما مضي‏,‏ كان الناس يجدون فيها الملاذ‏,‏ والملجأ والحماية‏,‏ وقوة الردع‏,‏ ومواجهة الخارجين علي القانون‏,‏ وتحقيق الانضباط الأمني‏..‏ لكنها ـ الآن ـ لم تعد كذلك‏!‏
لقد صارت الأقسام المنوط بها حفظ الأمن, وتطبيق القانون وتوفير الحماية للمواطنين. وتحقق الأمن والأمان لهم, بحاجة الآن الي من يحميها, كما أصبحت هدفا لعمليات اقتحام, يقوم بها مجموعات منظمة من الخارجين علي القانون, والبلطجية, سواء كان ذلك بهدف تهريب مساجين, أو سرقة أسلحة وبيعها في السوق السوداء, أو إشاعة أجواء من الفوضي, لتحقيق أهداف خاصة.. ولم تعد عدوي اقتحام أقسام الشرطة مقصورة علي محافظة بعينها, ولا مكان بعينه, فقد تابعنا أخيرا عمليات الاقتحام التي تمت في جرجا بمحافظة سوهاج, ومن قبلها العريش, وغيرها, فضلا عن عمليات فاشلة لاقتحام أقسام شرطة في الإسكندرية!والآن, لا تتعجبوا, ففي ظل حالة الانفلات الأمني التي تعيشها البلاد حاليا, صار كل شئ جائزا, ومتوقعا!!وبشكل عام, تنقسم الحالة الأمنية في أقسام الشرطة ـ كما يقول اللواء محمد عبد الفتاح عمر مساعد وزير الداخلية لأمن اسيوط سابقا ـ الي أمرين: الحالة العادية, والتي تكون الحركة فيها عادية جدا, ومن ثم يكون هناك حالة طوارئ يتم فيها تكثيف الحراسة, وتعزيزها بعناصر أكثر, لكن ما تشهده الأقسام حاليا من اقتحام, وعمليات بلطجة, وتهريب مساجين, والسطو علي السلاح الميري, عن طريق مجموعات كبيرة, ومسلحة من الخارجين علي القانون يجعل من الصعوبة التصدي لهم, وقد يكون من الطبيعي أن يتم تكثيف الوجود الأمني حول قسم شرطة ما إذا كانت هناك معلومات عن عملية اقتحام فسوف تحدث, وباستثناء ذلك لا يمكن السيطرة علي هذه العمليات التي قد تحدث فجأة, ولا يستطيع رجل الأمن أن يتوقع من أين ستأتي الضربة, ولا أي قسم سيتم استهدافه, ولا حيلة لعسكري أو لمجموعة من الشرطة في صد هجوم كالذي حدث في جرجا إلا باستعداد مسبق.ظاهرة متكررة!وفي ظل حالة الانفلات الأمني, لا يعتقد اللواء محمد عبد الفتاح عمر, أن تنتهي حالات اقتحام أقسام الشرطة التي تكررت بشكل ملحوظ في العديد من المحافظات خلال الشهور الأخيرة, وهذه الظاهرة سوف تتكرر حتي يسترد الأمن عافيته, فالأمن ليس وزيرا, ولا ضابطا, ولا أمين شرطة, وعسكريا.. لكنه يقوم علي منظومة أمنية واعية وسليمة, ومواطن ملتزم بالقانون, ويحرص علي الالتزام به.وبشكل عام, فإن اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية الأسبق يري أن تراجع دور هيئة الشرطة في الدفاع عن الأقسام, واستسلام القائمين عليها لأعمال البلطجة, والعنف, إنما يرجع الي الرهبة, والخوف التي انتابت بعض الضباط, والجنود, في أعقاب ثورة25 يناير, نتيجة تحويلهم الي المحاكمات عند وقوع حوادث أثناء دفاعهم عن الأقسام الشرطية التي في عهدتهم ومسئوليتهم, بالرغم من أن القانون في صالحهم, وعليهم أن يدركوا أنهم يؤدون واجبهم في سبيل حماية الأمن العام, والمحافظة علي الممتلكات, ومنها أقسام الشرطة, والأسلحة عهدتهم, وأن المواد61 و63 من قانون العقوبات تحميهم, وعليهم أن يصدوا أي اعتداء علي قسم شرطة بكل قوة, والقانون في صالحهم.حماية قانونيةهنا يعود اللواء المقرحي الي الباب التاسع من قانون العقوبات الذي صدر في عهد محمود باشا غالب وزير الحقانية, ومصطفي باشا النحاس رئيس الوزارة في31 يوليو1937 وصادق عليه حاكم مصر والسودان ـ آن ذاك ـ وفي المادة60 منه بأنه لا تسري أحكام قانون العقوبات علي كل من ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضي الشريعة.. بينما جاء في المادة61 من نفس القانون أنه لا عقاب علي من ارتكب جريمة ألجأته الي ارتكابها ضرورة وقاية نفسه, أو غيره, من خطر جسيم علي النفس, أو علي المال علي وشك الوقوع به أو بغيره, ولم يكن لإرادته دخل فيه.. في حين جاء في المادة63 من قانون العقوبات المصري أنه لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري في حالتين: الأولي اذا ارتكب الفعل تنفيذا لأوامر صادرة إليه من رئيس وجبت عليه طاعته, أو اعتقد أنها واجبة عليه, والثانية إذا حسنت نيته وارتكب فعلا تنفيذا لما أمرت به القوانين, أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه.أمن المجتمع في خطروكلنا نعرف مخاطر الانفلات الأمني, ومخاطر تهريب المساجين علي هذه الدرجة العالية من الخطورة, فذلك يهدد أمن المجتمع, ويروع الآمنين فيه, ومن ثم يجب ألا يتخاذل أفراد الشرطة عن أداء واجبهم, مهما يكلفهم ذلك, لأن التراخي يعني شيوع الفوضي, وضياع هيبة الدولة, ومن ثم إضعاف قدرة جهاز الشرطة علي حماية الأمن, وفرضه, ومواجهة الخارجين علي القانون.ويعد اقتحام أقسام الشرطة ـ كما يقول الدكتور بهاء الدين أبو شقة أستاذ القانون الجنائي والمحامي الشهير ـ جناية, ويتوقف الحكم فيها علي ما يرتكب من أفعال, فإذا ترتب علي عملية الاقتحام موت شخص أو أكثر فإن مرتكب الواقعة يعاقب بعقوبة القتل العمد, كما أن جريمة الاقتحام قد تقترن بجرائم أخري كمقاومة السلطات, أو سرقة أسلحة, أو تهريب مساجين.محاكمات استثنائيةوالتعدي علي أقسام الشرطة يمثل ظاهرة خطيرة, وتحتاج الي وقفة حازمة, ومع أنني ضد المحاكمات الاستثنائية, إلا أنني أري أن ما يحدث من اقتحام لأقسام الشرطة, وتهريب مساجين, وسرقة أسلحة بحاجة الي محاكمات استثنائية رادعة وعاجلة وعادلة, ويكون لها صفة الردع والزجر, لمواجهة مثل هذه الجرائم التي تهدد أمن المجتمع, وتروع الآمنين به, ومن ثم إعادة الاعتبار لهيبة الشرطة, حتي تكون رادعا في وجه البلطجية, والخارجين علي القانون.قوي خارجيةولا شك, أن هناك أيدي خفية تعبث بفكر هؤلاء الأشخاص, وتزكي فيهم هذه الروح الشيطانية, لكي يشعر المواطنون بعدم الأمن, والأمان, ويترحمون علي النظام السابق, وفي سبيل ذلك تعمل فلول النظام السابق علي إشاعة أجواء من عدم الاستقرار, والانفلات الأمني, والبلطجة, كما تعمل قوي خارجية علي تحقيق ذلك لزعزعة الاستقرار, ونشر الفوضي, حتي لا تحقق الثورة أهدافها, وحتي تتمكن هذه القوي من تحقيق مصالحها الخاصة لا مصلحة الوطن.الخوف من المساءلة!وترجع عمليات الاقتحام التي تعرضت لها أقسام الشرطة مؤخرا ـ كما يقول مصدر أمني سابق ـ إلي خوف بعض الضباط الذين مازالت أيديهم مرتعشة ولا يمارسون عملهم مع معتادي الاجرام خاصة أن بعضهم لا يستطيع, التفرقة بين معاملة الشرفاء ومعاملة المجرمين, كما حدث في الفترة الأخيرة من هروب بعض المساجين وترك الضباط لهم وعدم مطاردتهم خوفا من المسئولية, حيث انهم لو قاموا بمطاردتهم سوف يطلقون عليهم الرصاص, وهنا سوف يسقط بعضهم وسوف يتعرض الضباط إلي المساءلة القانونية, موضحا أن حبس بعض الضباط أيضا زاد من هوة التوتر حيث جعل باقي الضباط الموجودين في الأقسام الآن يخشون استخدام السلاح ضد المجرمين حتي وإن كانوا محتجزين داخل أقسام الشرطة خوفا من العقوبة.ويري أن من أهم الدوافع التي تتسبب في هجوم الخارجين علي أقسام الشرطة واقتحامها هي جرائم التعذيب, والتي كان ينفذها بعض من ضباط الشرطة داخل الأقسام, ولابد من تشديد العقوبات علي مرتكبي هذه الأفعال من الضباط, وكذلك تفعيل دور إدارة الرقابة والتفتيش بوزارة الداخلية في الرقابة المفاجئة علي أقسام الشرطة لمنع تكرار هذه الظاهرة.ويؤكد أنه لابد من وجود عقاب قانوني رادع لمنع تكرار مثل هذه الحوادث, ومواجهة حالات هروب المساجين, واحالة جميع المحرضين علي الهروب إلي النيابة العسكرية وتوقيع أقصي عقوبة قانونية عليهم حتي يكونوا عبرة لغيرهم.بينما تري د. نادية إبراهيم أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: إن ظاهرة ارتكاب هذه الجرائم ضد أقسام الشرطة وضباطها تستحق دراسة جادة, خاصة وأنها أماكن يفترض بها أنها تمثل مكانا للحفاظ علي الأمن والاستقرار وبالتالي فإن هذه الأقسام عندما تكون مكانا للفوضي وعدم الانضباط ولا يتوافر بها عناصر التأمين فإن ذلك يمثل خطرا كبيرا يجعل المجرمين والخارجين عن القانون أداة لإشاعة الفوضي.ونطالب بتكثيف الدور الأمني داخل وخارج أقسام الشرطة.وتتساءل د. نادية إبراهيم: إذا كانت الشرطة لا تعرف كيف تحمي نفسها من بطش هؤلاء المجرمين فماذا يفعل المواطن الشريف مع هذه الفئة المسجلة جنائيا, فالعنف أصبح سمة أساسية في المجتمع عموما والجرائم تختلف باختلاف الانتماءات الطبقية والظروف الاقتصادية والثقافية والمستويات التعليمية.في حين يري د. أحمد عكاشة أستاذ علم اجتماع جامعة قناة السويس, أن العلاقة بين الشرطة والشعب متلازمة, فلا توجد دولة بدون شعب, ولا يوجد شعب بدون شرطة ولكن هناك فرقا بن الشرطة كمؤسسة وبين الشرطة كأفراد., فالشرطة كمؤسسة لا غني عنها وهي ركن أساسي من أركان الدولة أما الشرطة كأفراد فمنها الصالح ومنها الطالح فأهلا بالشرفاء من رجال الشرطة وهم كثر.أما المتجاوزون فلابد أن يعيدوا النظر في اسلوبهم الذي لم يتقبله منهم أحد بعد الثورة.ويؤكد أن من أهم أسباب حالة الانكسار التي تسيطر علي ضباط الشرطة هي أن جهاز الشرطة كان يعتمد في بنائه علي الغطرسة والعنف, والانتهاكات الحادة والقاسية وحينما رفض المواطنون بعد الثورة التعامل بهذه الطريقة فقد جهاز الشرطة كل ما يملك فأصيب الضباط بهذا الانكسار, وهذا دليل علي أن هذا الجهاز كان هشا وضعيفا.ثم أن انسحاب الشرطة من الشارع أعطي الفرصة كاملة للبلطجة مما أدي إلي هذا الانفلات الأمني الذي مازلنا نعيشه حتي الآن, وبالرغم من عودة الشرطة جزئيا إلي الشارع إلا أن أغلب أقسام الشرطة لا تعمل, والأقسام التي تعمل تتعرض لهجوم البلطجية وهروب المجرمين منها.ويشير د. أحمد عكاشه إلي أنه لابد من اعادة هيكلة جهاز الشرطة واعادة تأهيل الضباط علي أن يشمل هذا التأهيل طلاب كلية الشرطة, ويجب أن تشتمل المناهج الدراسية لهم علي ما يؤهلهم نفسيا للتعامل مع المواطنين علي أساس من الاحترام والحفاظ علي حقوق الإنسان, كذلك من الممكن في الفترة الحالية إلحاق خريجي الحقوق بكلية الشرطة, علي أن يتم تأهيلهم لمساعدة رجال الشرطة, وتخفيف حدة التوتر بين الشعب والشرطة



المصدر : الاهرام




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق