كان الدكتور جريميليوس هو أستاذى الذى يتولى تدريبى على ممارسة طب أمراض النساء فى جامعة مالمو بالسويد.. كان طبيبا وحكيما وإنسانا رائعا اقترب من الثمانين، وقرر ألا يعلمنى فقط طب النساء وقواعد التعامل مع النساء.. وإنما أهم وأجمل ما تعلمه طيلة حياته.. كل يوم معه كان درسا جديدا عن الناس والحياة.. وبقى الدرس الأهم هو أننا نعيش فى عالم لا يكبر فيه إلا الذين يريدون بالفعل أن يكبروا.. وبأنفسهم ودون استئذان أو انتظار لمساعدة من أحد..
وأن العالم لن يراك إلا بالصورة التى تراها أنت لنفسك.. لو رأيت نفسك صغيرا فلن يسمح لك العالم أبدا بأن تكبر.. مهم جدا أن تكبر أولاً فى نظر نفسك.. دون خداع أو وهم أو غرور.. ليخضع العالم من حولك ويحترم نظرتك لنفسك.. ثم إنك أبدا لن تحقق أى إنجاز حقيقى وكبير إن لم تؤمن أنت أولا بأنك قادر عليه وأنك تستحقه.. وأوروجواى لم تؤمن أصلا بأنها ممكن أن تفوز بكأس العالم.. غانا أيضا من قبلها لم تؤمن بأنها قادرة ولا تصورت أن الكأس ممكن أن تذهب للفقراء الصغار فى وطن النجوم السوداء على سواحل المحيط والذهب.. ولهذا لم تفز غانا ولا فازت الأوروجواى..
وأنا قطعا أحترم كل التحليلات والرؤى الفنية والنقاشات الدائمة حول خطط المدربين وتحركات اللاعبين.. لكننى أعتذر عن عدم قبول كل هذه التفاسير الفنية أو حتى العلمية.. فأنا رأيت فى أكرا هزيمة غانا قبل أن تحدث فى جنوب أفريقيا.. فالعاصمة التى تنفجر فرحا وجنونا للتأهل لدور الثمانية وتبدأ فى ترتيب حفلات التكريم للنجوم لحظة عودتهم من المونديال..
هى بالتأكيد مدينة ستستقبل نجومها فى أسرع وقت ممكن لأنهم باتوا مشغولين بالتكريم الذى فى انتظارهم، وتحولوا إلى جنود ألقوا فجأة سلاحهم وسط المعركة.. وما جرى فى أكرا.. هو نفسه ما جرى فى مونتفيديو حين لم تعد أوروجواى.. بداية من رئيس الجمهورية وحتى أصغر طفل عاشق لكرة القدم.. يفكرون إلا فى كيف سيحتفلون بنجومهم الذين تأهلوا للدور قبل النهائى.. ومن روائع أدب الحرب الكلاسيكى مذكرات القادة الكبار مثل روميل ومونتيجمرى اللذين أكدا أن الجيش الذى يحتفل وسط الحرب أبدا لا يكسبها.. والجندى الذى يبدأ حربا غير مقتنع بأن النصر الكامل فيها ممكن.. هو جندى مهزوم مقدما..
وبالتأكيد ستكون هناك أصوات معارضة.. لها قدرها واحترامها.. ستؤكد أن هذا هو غاية ما يمكن تحقيقه سواء لغانا أو أوروجواى.. ولكننى لست مقتنعا بذلك.. فكرة القدم ليست لعبة أرستقراطية إلى هذا الحد.. ولا هى تكره المفاجآت والمتناقضات والغرائب إلى هذه الدرجة.. أنا أيضا لست ضد أن تفرح غانا بما تحقق أو تحتفل أوروجواى بقبل النهائى.. لكننى أرى فى هذه الفرحة الطاغية اعترافا علنيا بأن البلدين لا يستحقان أكثر من ذلك..
مع أنه ممكن أن تتسع الأحلام لما هو أجمل وأكبر.. فكأس العالم لا تضع شروطا مسبقة تخص القوة السياسية أو الوضع الاقتصادى أو الثقافى أو حتى الخبرات الكروية المتراكمة كما يروج لذلك كثير من الأساتذة والنقاد.. المشكلة فقط أن كأس العالم يفوز بها دائما كبار.. لأن هناك صغاراً لا يريدون أبدا أن يكونوا كبارا.
المصري اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق