مازالت الضــريبة العقــــــارية التي اقترحتها وزارة المالية ووافق علي قانونها مجلس الشعب تثير جدلا صاخبا في كل الأوساط।والواقع أن نتائج التطبيق الأولي للقانون تشيرإلي عديد من المشكلات التي لم يتوقعها المشرع الضريبي الهمام!هل كان أحد يتصور أن ينفذ القانون وليست هناك إقرارات كافية تكفي العشرين مليون مواطن الذين فرض عليهم تقديم الإقرارات؟ وهل كل من المتصور أن تنشأ سوق سوداء لبيع الإقرارات حيث بلغ سعر الإقرار في بعض الحالات خمسمائة جنيه؟! وهل يجوز أن يتزاحم آلاف المواطنين ويقفوا في طوابير طويلة بالسـاعات أمام منافذ محدودة لتسلم الإقرارات وملئها ثم تسليمها؟وكيف تبرر وزارة المالية تصرف مصلحة الضرائب العقارية بتوزيع الإقرارات علي المحامين ومكاتب الاستشارات القانونية, مما يؤدي إلي تربح هذه الفئات المهنية من ملء الإقرارات بزعم أن القانون مليء بالثغرات, وأن المحامي يستطيع من خلال الحيل القانونية أن يحقق للممولين التهرب من الضريبة؟كل هذه الظواهر السلبية والتي شاهدنا بعضها علي شاشات التليفزيون, وخصوصا تدافع المواطنين الفقراء والبسطاء لتقديم الإقرار خوفا من عقوبة الغرامة, قد لا ترقي في خطورتها إلي العيوب القانونية الجسيمة في القانون, والخلل في تحديد آليات التطبيق. ولعل العيب الرئيسي في قانون الضريبة العقارية يتمثل في عدم إعفاء المسكن الخاص من الضريبة وهذا المسكن الخاص الذي يملكه المواطن المصري يكون قد بناه من أمواله التي دفع عنها ضريبة الدخل العام وضريبة الأرباح التجارية فكيف يخضع لضريبة جديدة؟ومما يؤكد العوار الدستوري في هذا القانون أن بعض أعضاء مجلس الشعب ومن بينهم نائب بارز في الحزب الوطني, اعترضوا علي فرض الضريبة علي المسكن الخاص, غير أن المهيمن علي أصوات أعضاء الحزب الوطني أمرهم بالتصويت علي القانون بالموافقة. ومن ناحية أخري فرض القانون علي كل من يملك مسكنا خاصا تقديم إقرار عنه حتي لو لم يكن خاضعا للضريبة, وإلا خضع لتوقيع عقوبة الغرامة! وهذا تعسف في الواقع لا معني له والتبرير السخيف الذي قدمته مصلحة الضرائب أنها تريد بناء قاعدة بيانات لكل العقارات في مصر, سواء ما يخضع منها للضريبة أو ما لا يخضع. وقد أدي هذا النص الشاذ إلي ان ملايين المصريين لم يقدموا الإقرارات في الوقت الذي نص عليه القانون وهو آخر ديسمبر2009.وأعلن أن الذين قدموا الإقرارات لا يزيدون علي مليوني مواطن ومعني ذلك أن حق مصلحة الضرائب أن توقع عقوبة الغرامة علي18 مليون مواطن مصري! هل هناك خلل تشريعي أكثر جسامة من هذا الخلل, الذي يخول مصلحة الضرائب عقاب هذه الملايين من البشر؟والسؤال لماذا لم يمتثل المواطنون للقانون في الموعد المقررويقدموا الإقرارات المطلوبة؟أغلب الظن أن السبب الحقيقي عدم اقتناع غالبية الجماهير بالقانون, وإحساسهم انه يجافي العدالة. صحيح أن القانون يعفي أصحاب المساكن غير باهظة الثمن ويفرض الضريبة العقارية علي المساكن التي تتجاوز قيمة الواحد منها400,000 ألف جنيه كما أعلن غير أن ذلك لا ينفي أن القانون بنصوصه جميعا لم يقنع الناس وأخطر من ذلك أنهم خالفوه جهارا نهارا بدون خوف من توقيع عقوبة الغرامة التي تصل إلي2000 جنيه! والسبب الثاني أن القانون زاخر بالنصوص الغامضة والآليات غير الواضحة, خذ علي ذلك المثال آلية التقييم التي زعم بعض المسئولين في وزارة المالية أن مصلحة الضرائب لن يكون لها علاقة بالتقييم, لأن من سيقوم به لجان خاصة مشكلة من أساتذة الجامعات والخبراء.والسؤال هنا يتعلق بواقعية هذه الآلية العجيبة وغير المسبوقة!هل هناك لجان كافية لتقييم كل المساكن المصرية الخاضعة للضريبةوفقا لمعايير غريبة ومتعددة؟والسؤال الثاني ما هي موضوعية عملية التقييم؟وأليس هناك احتمال بأن يختل الميزان ويحدث نوع من المبالغةفي تقييم الوحدة السكنية, مما يفرض ضريبة قد تكون باهظة علي صاحبها؟ومن ناحية أخري نص القانون علي أن التقييم سيعاد كل خمس سنوات!وهل هناك قوي بشرية كافية لإعادة التقييم كل بضع سنوات؟وماذا سيحدث إذا ارتفعت أسعار العقارات بشكل جنوني بعد خمس سنواتهل ستضاعف الضريبة حتي علي المسكن الخاص الواحدوما هي دستورية هذا النص؟ويحمد لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية انه نظم ندوة بعنوان الضرائب العقارية ما لها وما عليها, شارك فيها مسئولون من مصلحة الضرائب العقارية.وقد صرح السيد مستشار وزير المالية للضرائب العقارية في الندوة بان غير القادرين علي سداد الضريبة, عليهم رفع دعوي قضائية أمام المحكمة, وستقوم وزارة المالية بالسداد نيابة عنهم, إذا حكم القاضي بإعفائهم!ما هذه الإجراءات العجيبة؟ الممول العاجز عن دفع الضريبة عليه أن يرفع دعوي أمام المحكمة, بما يترتب علي ذلك من تحمله سداد الرسوم القضائية ودفع الأتعاب المناسبة للمحامي, وقد يحكم القاضي بإعفائه من الضريبة إذا اقتنع بأنه لا يستطيع الدفع, وقد لا يعفيه.وفي الحالة الأولي تتكفل المصلحة ـ كما زعم مسئول مصلحة الضرائب في الندوة ـ بدفع الضريبة نيابة عنه!ما هذا الكرم الحكومي الحاتمي غير المسبوق؟وهل من المعقول أن تتكفل المصلحة بدفع الضرائب نيابة عن الممولين غير القادرين؟ وقرر هذا المسئول أن السبب في فرض الضريبة هو نقص موارد الدولة, مشيرا إلي أن75% من الضريبة ستضاف إلي الموازنة العامة للدولة, و25% ستذهب إلي المحليات. وإذا كان هذا هو السبب, فلماذا لم تفكر وزارة المالية في فرض ضريبة مناسبة علي الأغنياء, وخصوصا أن عددا كبيرا منهم يتهربون من دفع الضرائب. ليس ذلك فحسب بل لقد كان أمامها أن تفرض ضريبة تكون آلياتها بسيطة وغير معقدة وسهلة التحصيل, بدلا من لجان التقييم المشكلة من أساتذة الهندسة الذين سيتركون أعمالهم لكي يطوفوا الشوارع لتقييم كل الوحدات السكنية المصرية! وقد قرر وزير المالية ـ بعد أن أكتشف الفوضي العارمة في التطبيق, من حيث عدم توافر الإقرارات بالعدد الكافي, والتزاحم في الطوابير وما نجم عن ذلك من حوادث مؤسفة, وكذلك عدم تقديم الغالبية العظمي ممن تطبق عليهم القانون الإقرارات مد المهلة حتي آخر شهر مارس2010.ثم تبين أن قرار الوزير باطل قانونا, لأن مد المهلة يستدعي تعديلا تشريعيا يقوم به مجلس الشعب. ولذلك أحيل الموضوع علي عجل إلي المجلس لتلافي بطلان قرار الوزير وبطلان كل الإجراءات المترتبة عليه. وأيا ما كان الأمر, فإن علينا ـ باعتبارنا نقادا اجتماعيين ملتزمين ـ أن نحيي الجماهير التي لم تقدم الإقرارات, لأنها بحسها الشعبي أدركت أنها ليست ضريبة عادلة وإنما جباية صارخة!ماذا سيحدث إذا ارتفعت أسعار العقارات بشكل جنوني بعد خمس سنوات, هل ستضاعف الضريبة حتي علي المسكن الخاص الواحد,وما هي دستورية هذا النص؟هل هناك خلل تشريعي أكثر جسامة من هذا الخللالذي يخول مصلحة الضرائب عقاب هذه الملايين من البشر؟
الاهرام المسائي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق