الخميس، 31 ديسمبر 2009

"بوكو حرام" .. كابوس أوباما في نيجيريا


رقعة المواجهة بين القاعدة وواشنطن تتسع يوما بعد يوم ، فالمعركة تجاوزت حدود أفغانستان وباكستان والصومال إلى الدول الحليفة لواشنطن وخاصة اليمن ونيجيريا ، وهو الأمر الذي يضاعف مأزق إدارة أوباما .
ففي 28 ديسمبر / كانون الأول وبعد يومين من حادثة الطائرة الأمريكية ، فوجيء الجميع بتجدد أعمال العنف في شمالي نيجيريا بين قوات الأمن وأعضاء جماعة إسلامية وصفت بالمتشددة ، مما أسفر عن مصرع حوالي 70 شخصا .
ورغم أن شمالي نيجيريا ذي الأغلبية المسلمة يشهد من حين لآخر موجات من العنف تتخذ طابعا دينيا حيث تنتشر حركات إسلامية تطالب بتطبيق الشريعة في عموم نيجيريا وإلغاء نظام التعليم الذي تصفه بالغربي ، إلا أن الأمر يبدو مختلفا هذه المرة ويتجاوز في أبعاده الشأن المحلي ، حيث تشعر الحكومة النيجيرية بحرج بالغ بعد إعلان مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي " إف بي آي " في 26 ديسمبر أن مسافرا من نيجيريا تابعا للقاعدة حاول إشعال فتيل متفجرات على متن طائرة أمريكية كانت قادمة من مدينة أمستردام الهولندية ومتوجهة إلى ديترويت في الولايات المتحدة.
وقال مسئولو المكتب إن النيجيري عمر فاروق عبد المطلب حاول تفجير العبوة الناسفة التي كانت مربوطة إلى ملابسه الداخلية عند اقتراب الطائرة من مطار مدينة ديترويت لكن العبوة ولدت شررا ولم تنفجر.
وبالنظر إلى أن نيجيريا من أقوى حلفاء واشنطن والغرب في القارة الإفريقية ، فقد سارعت لتعقب من تصفهم بالمتشددين بمباركة أمريكية ولذا سرعان ما تجددت الاشتباكات بين الحكومة والحركات الإسلامية .
وكان حوالي 70 شخصا على الأقل قتلوا إثر اشتباكات اندلعت في 28 ديسمبر بين قوات الأمن وإسلاميين في ولاية بوشى شمالي نيجيريا.
وأفادت مصادر أمنية أنه من بين القتلى شرطى ومدنيان وأحد زعماء "المتشددين" الإسلاميين ، مشيرة إلى أنه تم اعتقال 20 شخصا كما تم ضبط كميات من الذخيرة والسلاح.
بوكو حرام
عمر فاروق
ورغم أن السلطات النيجيرية لم تكشف عن هوية الجماعة السابقة ، إلا أنها لن تخرج عن جماعة "بوكو حرام" الإسلامية التي تنشط في تلك المنطقة .
ومعروف أن "بوكو حرام" التي تسعى لتطبيق الشريعة الاسلامية في عموم نيجيريا وليس في الشمال فقط وتسمى أيضا بطالبان نيجيريا هي مجموعة مؤلفة من طلبة تخلوا عن الدراسة وأقاموا قاعدة لهم في قرية كاناما بولاية بوشي شمال شرقي البلاد على الحدود مع النيجر.
وعند تأسيسها في يناير/كانون الثاني 2004 ، كانت الحركة تضم نحو مائتي شاب مسلم بينهم نساء ومنذ ذلك الحين تخوض من حين لآخر مصادمات مع قوات الأمن في بوشي ومناطق أخرى في شمالي البلاد بالبلاد.
وتدعو الجماعة إلى ما تصفه بتطهير نيجيريا من مظاهر التعليم الغربي والفسق والفجور ، وفي السادس والعشرين من شهر يوليو/تموز 2009 ، اندلعت اشتباكات دامية استمرت خمسة أيام بين قوات الأمن وجماعة "بوكو حرام" ، ورغم أنه غالبا ما اندلعت اشتباكات منذ 2004 بين عناصر الجماعة وقوات الشرطة في شمالي نيجيريا إلا أن اشتباكات 2009 كانت الأعنف .
وجاء اندلاع تلك الاشتباكات إثر محاولة مجموعات من المسلحين اقتحام المباني الحكومية ومقر الشرطة الرئيس في ولاية بوشي شمالي البلاد ، تلا ذلك نشوب معارك طاحنة بين المسلحين ورجال الشرطة انتهت باقتحام قوات الأمن لمعقل حركة "بوكو حرام " .
وقال مسئولون بالصليب الأحمر في نيجيريا إن أكثر من 700 شخص قتلوا في الاشتباكات التي استمرت خمسة أيام بين قوات الأمن والحركة كما أن أكثر من 3500 من سكان المنطقة اضطروا للنزوح عن مساكنهم بسبب القتال .
وكان الحدث البارز في تلك الاشتباكات هو ظروف مقتل زعيم الحركة محمد يوسف بعد أن كشفت صور أنه ألقي القبض عليه حيا وتم إطلاق النار عليه بعد ذلك ، فيما أعلنت الشرطة أنه قتل أثناء مواجهات مع قوات الأمن.
ورغم أن السلطات النيجيرية أعلنت حينها أنها تمكنت من القضاء على الحركة إلا أن التطورات بعد ذلك أثبتت عكس ذلك ، ففي 16 أغسطس 2009 ، أعلنت جماعة "بوكو حرام" رسميا الالتحاق بتنظيم القاعدة ، متعهدة بشن سلسلة من التفجيرات في شمالي البلاد وجنوبها .
ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عن البيان الأول الصادر عن الجماعة بتوقيع زعيمها بالنيابة ويدعى ساني عومارو القول : "الجماعة ألحقت نفسها بالقاعدة وإنها تنوي شن سلسلة من التفجيرات في شمالي البلاد وجنوبها ابتداء من أغسطس مما يجعل نيجيريا مستعصية على الحكم".
وفي حال تأكد أن عمر فاروق كانت له أية صلة بتلك الحركة ، فإن نيجيريا قد تتحول إلى ساحة جديدة للحرب بين القاعدة وواشنطن ، خاصة وأن" بوكو حرام" تهدف إلى إقامة دولة إسلامية نقية في شمالي نيجيريا على غرار النظام السابق الذي أقامته طالبان في أفغانستان.
هذا بالإضافة إلى أن الحركات الإسلامية تنتشر في شمالي البلاد ومن أبرزها جماعة "كالا كاتو" التي تسببت دعواتها للعصيان المدني عامي 1980 و1992 في سقوط آلاف القتلى .
التركيب الديني والعرقي
ضحايا الاشتباكات بين الشرطة وبوكو حرام
ويبدو أن سياسات الحكومات العسكرية والمدنية المتعاقبة في نيجيريا تخلق تعاطفا شعبيا مع تلك الحركات وتوفر أرضية خصبة للقاعدة للنمو هناك ، فمعروف أن تلك الحكومات ترفض بشدة تطبيق الشريعة الإسلامية في كافة أنحاء البلاد كما هو معمول به في الشمال منذ 2000 ، كما تغذي العنف الطائفي لأهداف سياسية وتواصل تحالفها الوثيق مع واشنطن غير عابئة بالرفض الشعبي وخاصة في الشمال والغرب لهذا الأمر.
ولا ننسى أيضا أن التركيب الديني والعرقي يساهم في إشعال التوتر ولذا نسمع بين الفينة والأخرى عن أعمال عنف طائفي هنا وهناك ، فنيجيريا تعتبر أكبر البلدان الإفريقية من حيث عدد السكان حيث يبلغ تعدادهم 150 مليون نسمة ينقسمون بالتساوي تقريباً بين المسلمين في الشمال والمسيحيين في الجنوب ولكن تعيش أقليات دينية مسيحية ومسلمة بأعداد كبيرة في أغلب المدن في الشمال والجنوب.
ومنذ أن بدأت 12 ولاية شمالية تطبيق الشريعة الإسلامية في عام 2000 تصاعدت حدة العنف الطائفي في ظل مطالبة الأقليات المسلمة في الجنوب بأمر مماثل ، وفي المقابل ترفض الأقليات المسيحية في الشمال تطبيق الشريعة الإسلامية .
المواقف المتضاربة السابقة انعكست في عدة اشتباكات كان آخرها في شباط / فبراير عندما وقعت صدامات دموية في ولاية بوشي في الشمال بين مسلمين ومسيحيين أوقعت 14 قتيلا ، وقبلها وفي تشرين الأول / أكتوبر 2008 ، قتل 700 شخص في جوس جنوب البلاد جراء أعمال عنف ذات أبعاد سياسية وطائفية .
وبجانب ما سبق ، فإن البعد العرقي له دور كبير في ظهور التوتر ، حيث تتشكل نيجيريا من قبيلتين كبيرتين هما الهوسا في شمالي البلاد وأغلبهم مسلمون والإيبو وغالبية أفرادها مسيحيون في الجنوب الشرقي ، لكن القبيلتين تتداخلان في كثير من المناطق ولذلك شهد وسط نيجيريا وخاصة ولايتا بلاتو وتارابا منذ أن عادت نيجيريا إلى النظام المدني في 1999، اشتباكات عرقية ودينية أوقعت مئات القتلى.
ورغم أن العنف الطائفي في نيجيريا أودى بحياة آلالاف منذ تطبيق الشريعة الإسلامية في 12 ولاية في شمال البلاد في عام 2000 ، إلا أن التوتر قائم بين المسلمين من جهة والمسيحيين وبقية المجموعات الطائفية والعرقية منذ زمن طويل ، حيث أسفرت صدامات قبلية وطائفية وعرقية في أواخر التسعينيات عن مقتل أكثر من عشرة آلاف شخص.
وكثيرا ما يؤدي اندلاع أعمال عنف في منطقة ما من البلاد إلي أعمال انتقامية في أماكن أخرى ، لأنه عندما يسمع المسلم أن مسلما قتل في مكان آخر من البلاد يشهرالسلاح ليقتل المسيحي في جواره وعندما يسمع المسيحي في جزء آخر من البلاد أن مسيحيا قتل يشن هجمات للثأر من المسلمين في منطقته وغالبا ما يقف سياسيون خلف أعمال العنف الطائفية في البلاد لرغبتهم في تعزيز نفوذهم.
ويفاقم من أزمة نيجيريا أن الخلافات ليست ثقافية أو دينية فقط بل اقتصادية أيضا لأن تلك الدولة خلال العقود الماضية تضاعف عدد سكانها ورغم الثراء النفطي الضخم للبلاد لم يواكب الاقتصاد حركة النمو السكاني وزاد النيجيريون فقرا كما أن الطريقة التي توزع بها الحكومة الفيدرالية ثروات البلاد النفطية الضخمة تسببت في إذكاء العنف الطائفى لأنها تمنح التعاقدات في مجال النفط لذوي الحظوة السياسية مما يعني أن من يصل إلى السلطة يصل أيضا إلى الغنى ولكن الوصول للسلطة يتم من خلال حشد المؤيدين وهذا لا يتحقق إلا باستغلال الانقسامات العرقية والطائفية ودفع المال لقطاعات من السكان لإثارة الاضطرابات.
تحرير دلتا النيجر
آثار العنف الطائفي
ولذا لم يكن مستغربا أن تظهر في ظل الأوضاع السابقة ، جماعة متمردة تطلق على نفسها " حركة تحرير دلتا النيجر" والتي تعهدت في الخامس والعشرين من فبراير 2008 بإطلاق "حرب شاملة" ضد كل شركات النفط الأجنبية في غربى نيجيريا ، مطالبة إياها بمغادرة المنطقة.
وقامت تلك الجماعة في السادس والعشرين من فبراير 2008 بخطف تسعة عمال نفط أجانب ، بينهم ثلاثة أمريكيين وبريطاني وفلبيني ، وهم على متن سفينة خدمات نفطية تابعة لشركة "ويلابروس" الأمريكية للهندسة وهي مقاول فرعي لشركة "شل" النفطية في دلتا النيجر الواقعة جنوب غربى نيجيريا.
وخلال الشهور الأخيرة ، فجر المتمردون أنبوبين لنقل النفط واحتجزوا أربعة رهائن من الأجانب وخربوا حقلين كبيرين لانتاج النفط كما استخدم الجيش النيجيري المروحيات لقصف عبارة مائية قال إن المتمردين كانوا يستخدمونها لتهريب النفط المسروق.
وبصفة عامة ، تطالب حركة "تحرير دلتا النيجر" بحصول السكان المحليين على نصيب أكبر من الثروة النفطية في المنطقة وتحاول سرقة كميات من النفط ولذلك يشن الجيش النيجيري بين الفينة والأخري هجمات على السكان في منطقة دلتا النيجر ويقوم باعتقال أشخاص يشتبه في صلتهم بالمتمردين .
والخلاصة أن نيجيريا التي تعتبر أكبر منتج نفطي في إفريقيا وخامس أكبر مصدر نفطي للولايات المتحدة باتت بيئة خصبة لترعرع القاعدة لأنه برغم هذه الثروة الكبيرة فإن الكثير من سكانها يعيشون في فقر مدقع.

محيط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق