جاء قرار محافظ القاهرة بازالة28 برجا سكنيا في عزبة الهجانة ليفتح الملف المسكوت عنه وهو ملف مخالفات البناء وحيتان المخالفات الذين تصوروا أنهم اشتروا المحليات॥ بعد أن باع بعض صغار مهندسي الاحياء ضمائرهم وأخلوا بواجبهم الوظيفي وغضوا الطرف عن المخالفات وكأن هذه الأبراج السكنية المخالفة ظهرت بين يوم وليلة وأن السادة المهندسين المسئولين استيقظوا في الصباح فـ فوجئوا بهذه الأبراج التي ترتفع15 طابقا!!تحقيقات الأهرام تفتح ملف المخالفات وتبحث عن المسئولية التي تفرق دمها بين القبائل ولم نعد نعرف من المجرم الحقيقي: هل هو القانون॥ أم المحليات أم حيتان المخالفات॥ أم الضحايا أنفسهم الذين وضعوا تحويشة العمر في شقة تؤويهم بين جدرانها؟لكن الحبس للمالك والإزالة للعقار والغرامة هي الأسلحة الرادعة التي يشهرها قانون البناء الموحد أخيرا لعلها تأتي بنتائج إيجابية لحسم هذا التسيب وإصلاح حال العمران।في البداية يقول د। أحمد سعد أستاذ القانون المدني بجامعة القاهرة والمحامي بالنقض, إن القانون كمبدأ لا يقر مثل هذه التجاوزات لأنها مخالفة بكل المقاييس فالمخالفة تعني عملا مخالفا للقانون تعتبر جنحة بناء بدون ترخيص وعقوبتها حبس من24 ساعة إلي3 سنوات بل أكثر من هذا أن هذه الأفعال مخالفة لقانون البيئة رقم4 لسنة94 وتعديلاته, والقوانين الخاصة وهو مخالفة لترسانة من التشريعات القائمة بقصد حماية البنايات وحماية أرواح الناس والتنظيم العام بل أيضا أن الأفعال مخالفة للوائح الضبط والأمن والسكينة والصحة العامة। وهذا الفعل تمتد آثاره لكل شيء, أقولها بكل صدق لا توجد مصداقية لدي الدولة, من حيث الصرامة في تطبيق هذه القوانين فأصبحت المخالفات هي الأساس في تصرفات المواطنين وليس اتباع القوانين, ولا أدل علي ذلك أن هناك مدينة بالكامل اكتسبت شهرتها من تسميتها مدينة المخالفات لا ترتكب في يوم وليلة ولكن ترتكب في وقت كان كفيلا بتدخل أجهزة الدولة والمحليات لوقف هذه المهزلة.والسؤال الذي نطرحه: ماهي الفلسفة التي يعتنقها قانون البناء الجديد, المفروض في بلاد العالم كله أنه توجد رقابة سابقة ورقابة معاصرة لتشييد المباني ورقابة ثالثة لاحقة بعد البناء. أما نحن في مصر فللأسف نركز علي الرقابة اللاحقة لتشييد المباني بعد اتمام الفعل الإجرامي.والمخالف هنا بعد أن يرتكب جريمته يقوم بتسويقها للضحايا الذين يضعون تحويشة العمر في شراء وحدة سكنية. يذهب الضحية للجهات المعنية فيجد إجابة غريبة من قبل المسئولين عن قانون المباني, وهي لا تلومن إلا نفسك لماذا أقدمت علي شراء وحدة سكنية مخالفة للقانون وتناسي هؤلاء المسئولون أنهم أعطوا للقانون إجازة, لذلك يجب أن يمتد العقاب إلي المسئول الذي ساهم في ارتكاب هذه الجريمة.د.حسام البرمبلي أستاذ العمارة بكلية الهندسة جامعة عين شمس عضو اللجنة الدائمة للمباني المتميزة بالمنطقة الشرقية بمحافظة القاهرة, يري أنه في غياب دور المحليات ومع العدد القليل لمهندسي الأحياء تحدث التجاوزات ثم تبدأ المخالفات في عدد الأدوار والمساحات وغالبا ما يحدث هذا في الشوارع الخلفية والظهير للمناطق الرئيسية والتي لا يمكن متابعتها بسهولة.فالعبء كبير علي المهندسين فانهم يبدأون يومهم بأعمال مكتبية من الساعة التاسعة صباحا حتي الثانية ظهرا, ثم بعد ذلك النزول إلي الشوارع للمرور علي العقارات ومتابعة أعمال البناء وهذا دون توفير وسيلة انتقال بصفة دائمة مع ضعف مرتباتهم وحوافزهم مما يفتح الباب لضعاف النفوس بالتجاوزات.وحول سؤال من هو المذنب الأول يقول: المهندس الاستشاري أو المشرف علي التنفيذ هو المسئول الأول عن المخالفات لأنه هو المسئول عن اصدار الترخيص ومتابعة الأعمال والعملية التنفيذية, وبالطبع يتضامن المقاول مع الاستشاري في الخطأ.وكان من الضروري إلغاء فكرة التصالح مع المخالفين وتقنين الأوضاع وتضم العقوبة في القانون الجديد إزالة وغرامة وحبسا لو هناك أخطاء في التصميم أو الانشاء.القانون لم ينص علي عقوبة علي المشتري ويكفيه أن يسترد أمواله التي قام بدفعها في شقة بعقار غير مرخص لأن هذا المشتري ليس لديه سند ملكية ولا عقد مسجل ولابد من وضع ضوابط وجهاز رقابي يتكون من عدد من المهندسن الأكفاء الشرفاء وأن يكون هناك مجلس أمناء للابلاغ عن أي مبني مخالف أو أي أخطاء إنشائية تحدث في كل منطقة وهو ما يشابه فكرة شيخ الحارة في الماضي, مع وضع مكافآت مجزية لكل مهندس في الحي يضبط مخالفة علي أن تكون هذه المكافأة نسبة من الغرامة الموقعة علي المخالف فبدلا من أن يحصل المهندس علي المال بطريقة غير مشروعة فمن المؤكد أنه سيفضل الحصول عليه بالأسلوب الشرعي عن طريق أسلوب المكافآت.كما يجب إنشاء شبكة معلومات واضحة تسجل عليها كل الأعمال التي تتم والجاري تنفيذها علي الخريطة الالكترونية والعقارات التي صدرت تراخيص لها حيث أن قانون البناء رقم119 ينص علي ضرورة تحديث البيانات بصفة مستمرة.بدون معاييـرد.مدحت الشاذلي أستاذ العمارة وتكنولوجيا البناء بجامعة القاهرة يقول: تتم مخالفات البناء داخل أو خارج كردون المدن الخاضع للأحياء مثلما يحدث في مدينة نصر والمهندسين والجيزة وغيرها فضلا عن البناء علي الأراضي الزراعية والقانون يسمح بالحفر بدون الحصول علي ترخيص.وبالنسبة للبناء خارج كردون المدينة لا يمكن استخراج التراخيص لأنها مناطق لا تتبع الأحياء وبالتالي يمكن لمن يريد أن يبني فوق أي قطعة أرض ما يشاء مثلما حدث في الطريق الصحراوي عندما تم وضع تخطيط لكي يصبح طريقا دوليا كان لابد من إزالة الكثير من المباني المقامة علي الطريق بدون ترخيص, أما وكر العشوائيات في بولاق الدكرور فنجد أن أكثر من75% من مبانيها بارتفاعات شاهقة تصل إلي10 أدوار وهو ما يخالف شروط البناء في المنطقة, وبالطبع تفتقد معايير البناء السليمة والأسس العلمية والأكواد المطلوبة لسلامة السكان لأن من يبني بدون ترخيص لا يلجأ لمهندس استشاري له خبرته لأنه سيكلفه مبالغ كبيرة نتيجة جهوده في وضع تصميمات سليمة ولكنه يبحث عن أحد المهندسين الذي يضع له تصميما متواضعا بأقل قدر ممكن من التكلفة فالمعيار لديه ليس الأصلح ولكن الأوفر مما يؤدي في النهاية إلي إقامة مبان عشوائية مخالفة تهدد سلامة قاطنيها.ويري د. مدحت الشاذلي أن قانون البناء الجديد وضع حلولا لجميع المشاكل التي واجهت مجال البناء من قبل, ولكن لا يمكن تطبيقه بأثر رجعي علي المباني التي تمت إقامتها قبل صدور القانون, ولكن لابد من توحيد اشتراطات البناء في كل منطقة وتطبيق القانون العام الذي يحدد الارتفاعات بأنها مرة ونصف عرض الشارع بحد أقصي36 مترا.ويري د.مدحت الشاذلي أنه لابد من غربلة فرق العمل من مهندسي الأحياء وتفعيل دورهم ورفع مرتباتهم ويمكن ذلك من خلال عدة طرق مماثلة لما كان يحدث في الماضي من سندات الإسكان والتي كانت تستقطع جزءا من التكلفة التقديرية للبناء ويذهب عائدها للدولة, ويمكن بها تحسين أحوال مهندسي الأحياء وعلي سبيل المثال توفير سيارات للمرور في شوارع الحي لمراقبة أعمال البناء.ويشير إلي أن تكلفة الهدم يتكبدها المالك, والمشترون لا يستردون أموالهم لأنهم قاموا بشراء وحدة سكنية غير مرخصة, وهناك بعض الملاك يبدأون البناء بطريقة سليمة للحصول علي الموافقة لإدخال المياه والكهرباء وبعد أن يتم ذلك تبدأ المخالفات في الأدوار العليا كأن يغلق مناور أو يزيد في الارتفاعات وغيرها.انتشار العشوائياتوعن انتشار العشوائيات التي تعتبر بؤرة المخالفات يقول د.عباس الزعفراني أستاذ التخطيط البيئي بكلية التخطيط العمراني جامعة القاهرة: ظهرت العشوائيات لكي تلبي احتياج بعض المواطنين الذين لم تهتم الحكومة بتوفير احتياجاتهم ففي فترة من الفترات قامت الحكومة بالتخطيط للإسكان المتوسط والفاخر دون أن تهتم بتخطيط أراض لإسكان محدودي الدخل فلم تستطع توفير مسكن لكل مواطن فحدثت فجوة كبيرة في مجال الإسكان, كما أن قانون الايجار القديم والذي تثبت قيمته لسنوات عديدة يخسر معها مالك العقار جعلت الملاك يتراجعون عن فكرة الايجار القديم الذي يحتاج إليه محدودو الدخل فكان الحل الوحيد أمام البسطاء من الناس هو أن يبحث عن حل بيديه فيتوجه إلي مناطق عشوائية ويبني بدون ترخيص وتجاهل المسئولون الموقف فزادت العشوائيات وانتشرت وأقامت الأسر فيها وعندما شعر المسئولون بسوء الموقف لم تكن الإزالة اصلاحا للخطأ هي الحل لأن هذا يعني تشريد آلاف الأسر فكان الحل الوحيد هو التصالح مما أثلج صدور الآخرين وشجعهم علي البناء بدون ترخيص وبصورة عشوائية ليصبح الوضع أمرا واقعا ويتم التصالح بعد ذلك, ومما لا شك فيه أن هذا أدي بدوره إلي تدهور حال العمران حتي المناطق التي تم تخطيطها زحفت إليها العشوائيات لتضفي عليها سمة العشوائية أيضا خاصة مع انتشار الفساد وتغاضي بعض مهندسي الأحياء عن المخالفات.ويذكرنا د. الزعفراني بأنه في وقت تنفيذ أمر الحاكم العسكري لم تكن هناك مخالفات للبناء لأن وقتها كان يوضع في الحبس كل من المالك والمقاول المشرف علي التنفيذ ومهندس الحي في حالة المخالفة, لأن الجريمة واضحة لا يتم البناء في يوم وليلة بل يأخذ المبني علي الأقل سنة وهذا يعني تعمد الإهمال والتجاوز.والحلول من وجهة نظر د.عباس الزعفراني, لابد أن تبدأ بوقف إقامة أية مباني لا تخضع لتخطيط عمراني ولا تحصل علي ترخيص, وهو ما يستلزم عدم ترك أي منطقة دون وضع تخطيط عمراني لها لمنع ظهور أي مناطق عشوائية جديدة, وضرورة معالجة أسباب المخالفات وانتشار العشوائيات وتطبيق القانون بحزم وشدة, كما اقترح مصادرة المباني المخالفة لصالح الدولة علي أن تقوم الأخيرة بتأجير الوحدات السكنية لمن يطلبها مقابل صيغة مالية محددة كنوع من الردع للمخالفين.فضلا عن أن المناطق المقامة بالفعل يمكن تطويرها وتحسينها ومدها بالخدمات من خلال هدم بعض المباني فيها لتوسعة شوارعها ـ مع تعويض سكان هذه المباني ـ كما أن هناك حلا بعيد المدي وهو ألا يوجد مبني يستمر أكثر من100 عام, فالمبني الذي يتهدم في المناطق العشوائية يجب ألا يقام غيره وهذا يتحقق بوضع تخطيط لهذه المناطق يتم تنفيذه بالتدريج علي مدار السنين... وبدأت اجراءات الإزالةشهدت عزبة الهجانة صباح أمس حالة من الهياج بين سكان العزبة وقوات الأمن المركزي نتيجة لوجود قوة من حي مدينة نصر لتنفيذ قرارات محافظ القاهرة لإزالة35 عمارة بعزبة الهجانة, وهو الأمر الذي استفز الأهالي لدرجة أنهم قاموا برشق جميع قوات الأمن وقوة الإزالة بالحجارة.وفي تصريحات لمصطفي السلاب عضو مجلس الشعب ونائب دائرة مدينة نصر, أكد أن عزبة الهجانة ليست منطقة عشوائية لأن جميع المباني بها مرافق.وأضاف أن جميع الأهالي تقدموا للحي طبقا لما هو معمول به للحصول علي تراخيص ورفض الحي منحهم هذه التراخيص فقاموا بالبناء علي أرضهم أمام الجميع وهو حق لهم.وأضاف أن سبب الإزالة هو عدم وجود تراخيص وطالب بضرورة تشكيل لجان هندسية علي أعلي مستوي من مهندسين استشاريين محايدين للمعاينة وكتابة تقرير عن عزبة الهجانة ومعرفة ما إذا كانت هذه العمارات مبنية علي أسس هندسية سليمة أم لا وبناء عليه يتم اتخاذ القرار المناسب سواء كان بالبقاء أو الإزالة, وطالب السلاب بوقف فوري لجميع قرارات الإزالة الصادرة لعزبة الهجانة لاستقرار الأمن وإتاحة الفرصة للدراسة وإبداء الرأي الهندسي في الموضوع.وقال مبارك العمدة من أهالي عزبة الهجانة إن المحافظ أصدر قرار بإزالة700 عمارة سكنية بالعزبة وبعد أربعة أيام وبعد إثارة القضية في مجلس الشعب قال المحافظ إن قرارات الإزالة التي صدرت تخص28 عمارة فقط, وأكد المحافظ أنها غير مسكونة بالأهالي وهذا مخالف للحقيقة والواقع لأن العزبة بها مئات الآلاف من المواطنين ووصل إليها جميع المرافق من كهرباء ومياه, كما يوجد بها محال تجارية تقوم بدفع الضرائب وبناء علي كل هذه الخدمات بالعزبة قام الأهالي بالبيع والشراء للوحدات السكنية فيما بينهم ويشير مبارك العمدة إلي أن الأرض بالعزبة تم شراؤها من أكثر من20 سنة من جهاز المشروعات الخاص بالقوات المسلحة من خلال شركة مدينة نصر للإسكان.محافظ القاهرة: العقارات المقرر إزالتها خطروفي تصريحات للدكتور عبدالعظيم وزير, محافظ القاهرة, أكد أن ما جاء في البيان العاجل الذي تقدم به مصطفي السلاب, عضو مجلس الشعب والنائب عن دائرة مدينة نصر, غير دقيقا حيث إن ما تقرر إزالته28 عقارا فقط وليس700 عقار.وأشار المحافظ إلي أن سبب الإزالة أنه تلقي تقريرا خطيرا من جهاز التفتيش الفني علي أعمال البناء بوزارة الإسكان يحذر من خطورة هذه العقارات علي أرواح المواطنين لعدم توافر الاشتراكات الهندسية السليمة في إنشائها, كما أن ارتفاع هذه العقارات يهدد سلامة الطيران المدني.وأضاف أن المحافظة قامت بتحذير المواطنين من التعامل مع هذه العقارات ونشرت ذلك التحذير مرتين منذ عامين تقريبا في الصحف القومية حتي لا يقع المواطنون في براثن سراق أراضي الدولة وتجار الموت.وأوضح أن متطلبات الحماية المدنية غائبة في هذه المنطقة حيث ترتفع العقارات دون حساب لعرض الشوارع التي ربما لا تسمح لسيارة إسعاف أو إطفاء لدخول هذه الممرات الضيقة.وأكد د.وزير أن الحديث عن الثروة العقارية التي تهدر بالإزالة قول غير صحيح وغير مقبول, موضحا أن نشأة المناطق العشوائية التي لا يجري التصدي لها في وقت من الأوقات سوف تكلف الدولة مليارات للصرف عليها لتطويرها, حيث بنيت علي أرض غير مخططة وغير مقسمة وغير مرفقة.
الاهرام - عبير الضمراني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق