الاثنين، 31 أكتوبر 2011

هيكل يقرأ خريطة الواقع المصرى : التيار الدينى ليس مستعدا لمسئولية الحكم



في الحلقة الثالثة والأخيرة‏,‏ من حواره الشامل مع قناة الجزيرة‏,‏ والتي خصصها بالكامل للأوضاع في مصر‏,‏ لم يتردد الاستاذ الكبير محمد حسنين هيكل في القول أنه ليس لديه حل للخروج من الموقف الصعب الراهن الذي تواجهه مصر الآن‏.
الاستاذ الكبير محمد حسنين هيكل
هذا الحل ليس لدي أحد آخر أيضا واستطرد: كل واحد لديه بعض الصورة, لكن لا أحد لديه صورة الحقيقة.وتابع: الحقائق غائبة بل غاطسة, وهي أعقد كثيرا مما يبدو علي السطح. كلنا نعتقد أن المسألة سهلة وهي غير ذلك تماما.. والأسوأ أن هذا يحدث في وقت تتقرر فيه مصائر ليس في مصر فقط بل في المنطقة من حولنا.وأضاف:المنطقة يجري إعدادها لحدث كبير, ولايبدو أن أحدا هنا أو في المنطقة مدرك لذلك. والحدث الكبير الذي أتحدث عنه هو المواجهة النهائية مع إيران.. هذه المواجهة المؤجلة من رئاسة بوش الابن الي الآن حيث يستعد الرئيس الحالي أوباما لانتخابات الرئاسة.ويبدأ الأستاذ هيكل حديثه عن الوضع في مصر بالقول: الثورة لم تكن مفاجئة, ويدهشك أن الشخص الوحيد الذي كان يعرف حجم المشكلة أو بعضا منها كان الرئيس السابق مبارك.ويواصل: كنت أستغرب عندما أسمع بعض الوقائع التي تقول إن الجيش أرغم مبارك علي ترك السلطة.. هذا لم يحدث, فمبارك أول من نطق بالكلمة السحرية وهي تنحيه.. ويكشف الأستاذ عن أن مبارك قبل أن يتنحي بيومين أو ثلاثة, قال للمشير محمد حسين طنطاوي, وهذه رواية موثوقة: ياحسين..إما أن تحمي الشرعية..ياتشيل الشيلة, أي تتحمل العبء.وأنا أعتقد ــ يقول هيكل ــ أن هذه الكلمة المفتاحية تكررت كثيرا في الاجتماعات التي عقدت خلال تلك الفترة, وقالها مبارك بأشكال أخري, مثل: ياسيادة المشير شيل البلد.. ياسيادة المشير إلحق البلد.نظام سائر الي نهايتهويستعيد الأستاذ هيكل ملامح الوضع عندما جاءت لحظة52 يناير إذ يقول: لم يدرك أحد ساعتها ثلاثة أمور, الأول: مافعلناه بأنفسنا طوال03 عاما والثاني مافعله بنا الآخرون, والثالث مافعله بنا الإسرائيليون. ويشير إلي أنه كانت هناك حالة استعصاء.. وبعد لحظة الفرحة الأولي شعر الجميع سواء كانوا من الشباب أو الجيش أو القوي الموجودة علي الساحة أن المسألة في منتهي الصعوبة... ولابد من القول إن هناك من ارتكبوا أخطاء كثيرة متتالية ولاتزال مستمرة.وحول موقف الجيش وهل هو في ورطة ؟ رد هيكل: أنا لا أري ذلك. لا أحد يستطيع أن يتصرف إزاء موقف إلا إذا رأي الجزء الأكبر من حقائقه..مانحن فيه لم يكن سرا والكل كان يدرك سوء الأوضاع لكن المفاجأة كانت خروج الشباب.ويتابع: الكل كان يري أن النظام سائر إلي نهايته. وقد كتبت وقلت إن هذا العهد انتهي ولابد من التفكير في مرحلة انتقالية, واقترحت مجلس أمناء للتعامل مع الوضع.ويسترجع الأستاذ هيكل اللحظة السابقة علي الثورة, قائلا:كنت أري أن النظام انتهي وسط تضارب سيناريوهات التعامل مع الموقف. وكانت هناك عدة سيناريوهات:الأول: أن الأب( مبارك) كان يتصور أنه يستطيع أن يبقي ويمدد لهوالثاني: أن الابن( جمال) كان يتصور أنه يستطيع أن يرثوالثالث: أن الأمريكان كان لهم رأي, ورأيهم أن الجيش هو القضية ولابد أن يأتي رئيس منه ولذلك اختاروا عمر سليمان.وقد حاول النظام السابق إقناع الامريكان بجمال مبارك وعرضوه علي كوندليزا رايس وزيرة الخارجية آنذاك,والتي قالت بصراحة لمن قدم لها الابن, وهو أسامة الباز: الشاب لاغبار عليه لكننا نفضل جنرالا.ويقول هيكل: إضافة إلي كل تلك السيناريوهات كان هناك السيناريو المجهول الذي طرحه الشباب من خارج السياق, بمعني أنهم بدأوا في وضع الجميع أمام موقف مختلف تماما.لقاء الغرباءوعندما سأل المحاور محمد كريشان الأستاذ هيكل: هل كان لدي الجيش سيناريو؟ أجاب: الجيش كانت لديه مسألة واحدة وهي أنه لايستطيع أن يقف ضد الشعب في مسألة التوريث.. الجيش كان لديه سيناريو واحد, وهو ألا يتم استخدامه في عملية فرض الابن.. ومبكرا. عندما بدأ إعلان التعديلات الدستورية عام6002/5002, طلب المجلس الاعلي للقوات المسلحة آنذاك من الرئيس ألا تستخدم القوات المسلحة ضد الشعب في حالة رفض التوريث.ويكشف الكاتب الكبير عن واقعة حاسمة في تاريخ ثورة52 يناير, حدثت يوم الخميس01 فبراير الماضي, ويطلق عليها اسملقاء الغرباء. فقد التقي الشباب المعتصمون في ميدان التحرير مع قائد عسكري هو اللواء حسن الرويني قائد المنطقة العسكرية الذي جاء اليهم.وحتي موعد عقد هذا اللقاء, كان الوضع مستعصيا والمواقف متأزمة وكان السيناريو الذي يراد تنفيذه هو سيناريو عمر سليمان الذي تم اختياره نائبا لرئيس الجمهورية.لكن اللواء الرويني, قال للشباب كلاما مختلفا وهو أن مطالبهم سوف تجاب.أيضا يكشف هيكل أنه بعد نصف ساعة من كلام اللواء الرويني, كان رئيس الأركان الامريكي الجنرال مولين ووزير الدفاع الامريكي يجريان اتصالات بكل من يعرفونه في مصر ويسألان: ماذا حدث؟بعد ذلك تطورت الأمور حيث صدر في اليوم التالي البيان الأول للقوات المسلحة ثم ظهر في اليوم الذي تلاه أن القوات المسلحة قبلت تحمل المسئولية.أقوي حكومة في تاريخ مصرثم يعود هيكل لتشخيص الأزمة بالقول: أول الأخطاء اننا لم نتذكر أنه بعد03 عاما مما جري كان لابد أن نعرف بدقة ووضوح طبيعة وتركيبة المجتمع المصري وهذا لم يحدث.أيضا كان علينا أن نأتي بأقوي حكومة في تاريخ مصر, تكون أولي مهامها استعادة الامن وتسيير شئون الناس وتلبية احتجاجاتهم ثم نجلس بعد ذلك لنفكر ونستوضح الصورة وماذا يمكن عمله, لكن ماحدث اننا تحركنا مباشرة دون تفكير, وهنا حدثت الأخطاء.واسترشد المحاور بما قاله الأستاذ هيكل في حواره مع الأهرام في سبتمبر الماضي ليسأله هل هناك تخوفات من إمساك الجيش بزمام الأمور في مصر؟ويرد هيكل: أنا ليست لدي هذه التخوفات, وأنا لا أري أن كلمة عسكري مخيفة, وكثيرا ما لجأت الأمم إلي عسكريين في حالات الأزمة مثل ديجول وايزنهاور.وعندما قاطعه المحاور مستغربا, قال الكاتب الكبير إن مهمة الكاتب أن يكون صريحا ليس فقط أمام خصومه بل أيضا أمام أصدقائه.. وقيمة أي كاتب أن يقول رأيه بصراحة في مواجهة أصدقائه مثل خصومه.ثم عاد هيكل ليكمل فكرته: برغم ماقلت, فأنا لا أري فرصة الآن لأن يصبح رجل عسكري رئيسا للبلاد في هذه الظروف.. ببساطة لأن القوات المسلحة لديها مهمة وهي أن الأمن القومي يحتاج وجود قوات مسلحة قوية وقادرة.ويشير إلي أن حلف الأطلنطي موجود في الغرب( ليبيا), وإسرائيل في فلسطين, وسيناء مفتوحة لأوضاع مختلفة, والسودان لديها مشكلات.ويخلص هيكل إلي القول: أنا أريد قوات مسلحة تستطيع أن تنهض بمسئولية الأمن القومي, في ظروف صعبة يتم من خلالها الضغط علينا.ويؤكد أن الجيش المصري أدي دورا في الحياة الوطنية المصرية عبر التاريخ وأنه كان حافظا لمصر الدولة ذات الظروف الخاصة.ويشدد هيكل علي أنه في هذه اللحظة مطلوب تعويق دور هذا البلد بشكل أو بآخر في المنطقة في وقت يتم فيه رسم خرائطها من جديد, والكارثة أن المنطقة, يعاد النظر فيها, وأنت غير موجود, وكذلك الدول المؤثرة في النظام العربي كسوريا والعراق والجزائر والمغرب.وأضاف: جرت عملية تفريغ سياسية بشعة للكفاءات في مصر, لدرجة أنني عندما التقيت بشباب وتحدثت معهم عن مجلس أمناء الثورة, وعندما تحدثوا عن نقل السلطة لمدنيين, قلت لهم اعطوني عنوان طرف مدني يتم نقل السلطة إليه.. لأنك لو بحثت عمن يصلح لرئاسة السلطة التنفيذية فلن تجد.وعما إذا كانت حركة الجيش بطيئة؟.. يرد هيكل: عندما التقي الجيش والشباب في01 فبراير كانوا طرفين أحدهما الشباب وكانوا يعرفون ما لا يريدون, والجيش لا يعرف ماذا يفعل, وعندما تنظر إلي التصرفات تدرك أنها تصدر عن أناس ليسوا قادرين علي الوصول إلي الحقيقة.ويتذكر الأستاذ هيكل أول مرة رأي فيها مبارك بعد أن أصبح رئيسا, وكان وقتها في زمن البراءة رجلا عاديا لا يريد أن يصبح زعيما كجمال عبدالناصر, أو نجما كأنور السادات, وفي اجتماعهما قال له مبارك: إذا البلد تعبتني سوف أسلم البلد للجيش وأمشي.ونفي هيكل أن يكون المجلس الأعلي للقوات المسلحة يحكم بنفس طريقة مبارك, وقال: بل هو ـ أي المجلس ـ يتصرف كطرف فوجئ بما يجري.تجريف الطبقة الخصبة المنتجةوانتقل الحوار إلي القوي الأخري في المشهد المصري, وكذلك الانتخابات المقبلة.. ويبادر الأستاذ هيكل إلي القول: أنا خائف مما سيجري, نحن مقبلون علي انتخابات, وأعتقد أنها لن تقود إلي النتيجة المطلوبة, لأن الجميع لا يعرف الصورة كاملة.ويقول: إن هناك من يريد أن ينقض علي الشباب, وهم القوة الوحيدة التي أعلم براءتها, لكني أعلم أيضا أن قوي الشباب لاتزال سليمة وواعية, أما إذا نظرت إلي الأحزاب كالوفد والإخوان, فإنهم جري إقصاؤهم بعيدا والوفد كان غائبا تماما.. وهم ليسوا جاهزين للتصرف, لأنهم لا يعرفون وحتي إذا حاولوا أن يعرفوا سيحتاجون وقتا كبيرا.ويستطرد الكاتب الكبير: سبب ذلك أنه جري تجريف للطبقة الخصبة المنتجة والقابلة للحياة علي سطح المجتمع. ويضيف: هذا البلد مثقل بالتزامات لا يعرفها وبأوضاع لم يبحثها أحد.ويتحدث الأستاذ بشيء من التفاصيل عن الإخوان, ويقول: إن مشكلتهم أنهم تنظيم نشأ في العمل السري, ثم تعرض للضرب بقسوة, وانتقل التأثير إلي فروع الخارج ووجدت حركة الإخوان في مصر نفسها الطرف الأضعف في التنظيم العالمي للإخوان كله, وهي لم تتح لها الفرصة لممارسة الحرية التي هي أساس الديمقراطية.وردا علي سؤال عما إذا كان الإخوان لا يدركون حقائق الأمور, قال هيكل: لو قلت لي اختار رئيس وزراء أنا مستعد أقبل واحدا مثل عبدالمنعم أبوالفتوح, لأن لديه خبرة في الخدمات والحركة السريعة لتلبية مطالب الجماهير, لكن الإخوان لا يعرفون شيئا عن الموقف الدولي ولا السياسة الدولية, ثم إن هناك مسألة مهمة للغاية, وهي أن مصر بلد متدين, لكنك لا تستطيع أن تديره من موقع ديني واحد.. انت في بلد هناك جزء من سكانه أقباط ويقلقهم هذا الموضوع, ولابد أن يوضع في الاعتبار, وهذا لا يعني فرض الرأي علي الأغلبية لكن لابد من مراعاته.وحول إمكانية التحالف بين الإخوان والمجلس العسكري, قال هيكل: حدث تفكير في هذا الموضوع, بحيث يكون الإخوان مع الوفد, ثم ظهر أن هذا تلفيق, لأن القوي الحقيقية في المجتمع قد لا تكون إخوان في هذه الفترة, وأنا أعتقد أنها قد لا تكون الإخوان, وأعتقد أن المستقبل القادم في مصر لا يصح أن يبني علي تلفيق.وتطرق هيكل إلي مسألة الفلول قائلا: هناك ما يمكن اعتباره فلولا, لكننا ننسي أن السلطة في مصر علي مر العصور تجذب إليها أصحاب المصلحة, سواء في الصعيد أو الريف.. هؤلاء باستمرار مع كل سلطة, سواء كانت حزبا وطنيا أو اتحادا اشتراكيا أو غيره وهم لا يستطيعون الابتعاد عن السلطة, لأن لهم مصالح مرتبطة بها.وعاد الأستاذ إلي موضوع الإخوان قائلا: أخشي أن الإخوان( التيار الديني) في مصر ليس مستعدا لمسئولية الحكم في هذه اللحظة التي هي لحظة مؤسسة وخطيرة جدا, كما أنها لحظة تحتاج إلي وحدة الأمة كلها.وعندما سأله المحاور: وإذا كان هذا خيار شعب؟.. رد هيكل: أنا موافق إذا كان هذا خيار شعب, لكن السؤال: هل هو خيار الشعب؟.. هل أعطي الشعب فرصة لكي يختار بحرية.وأكد هيكل أنه متعاطف مع الإخوان بسبب كل ما تعرضوا له, بل إنه قال مرارا إن الديمقراطية في مصر لا تستقيم إلا إذا كان هناك طرفان: التيار الديني الإخوان واليسار.. واستطرد: كل ما أطلبه لهذا البلد فرصة لأن يبني مستقبله.طريق إلي الحلوإذا كانت جميع الأطراف غير مهيأة.. فما العمل؟كان ذلك سؤال المحاور.. ورد هيكل: ليس عندي حل.. عندي طريق إلي حل.. الموجودون علي الساحة حاليا جيدون, لكني أعتقد أنك لا تستطيع أن تلقي بمسئولية رئاسة الجمهورية علي شخص قد يكون جيدا وقد لا يكون, أي علي المصادفة.وتابع: لابد من دراسة ما حدث, وكيف استمر رجل مثل مبارك بهذه المواصفات التي أعرفها عنه.. وهنا يحكي هيكل أن الكاتب الصحفي الراحل محمود السعدني قال له إنه التقي مبارك وسأله: سيادة الرئيس, كيف تشعر وأنت تجلس علي المقعد الذي جلس عليه رمسيس الثاني ومحمد علي وجمال عبدالناصر؟.. فرد مبارك قائلا: عاجبك الكرسي خده معاك وأنت ماشي!وقال هيكل: إنه كان يجب علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة أن يصدر تقرير حالة عن الموقف بعد شهرين أو ثلاثة من الثورة, لأنه إذا دخلت في موقف ولم تشرح كيف وجدته فسوف تصبح بعد قليل جزءا منه.. ولابد أن تعطي للناس صورة من الوضع وما آل إليه حتي يكونوا معك.وحذر هيكل من أنه في حالة فوز أي من المرشحين للرئاسة, فسوف يجد نفسه بعد3 أشهر جزءا من المشكلة وليس الحل.وفي نهاية الحوار, أكد الكاتب الكبير أن هناك مسارا ولابد من أن نكمله برغم المخاطر, ولابد أن تسير البلاد علي طريقة التجربة والخطأ, وعبر عن خشيته من وقوع أخطاء قاتلة في الفترة المقبلة بسبب ضخامة المشكلة ولأن مصر بلد مستهدف.وأضاف: هذا البلد ألقيت عليه أعباء كثيرة ولابد من تفكيكها, وأول خطوة لتحقيق ذلك هي وضع خريطة وجدول أعمال للمستقبل.




المصدر: الاهرام


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق