السبت، 5 نوفمبر 2011

العائدون من أهوال العبارة .. صراع البقاء‏ و حصار الموت في البحر



عاش الناجون من عبارة الموت بيلا ساعات عصيبة في صراع البقاء علي قيد الحياة فالنار من خلفهم والبحر أمامهم والموت يحاصرهم في كل لحظة‏..‏ صرخاتهم تشق عنان السماء طلبا للاستغاثة‏.‏
كثيرون منهم نطقوا الشهادة انتظارا للنهاية المأساوية والبعض الآخر احتضن ابناءه يودعهم في رحلة النهاية ويبحث لهم عن وسيلة إنقاذ.. حتي شاءت العناية الإلهية في إنقاذهم وهم لم يصدقوا أنفسهم أنهم عادوا إلي أرض الوطن سالمين ولكنهم فقدوا تحويشة عمرهم في الغربة وجميع متعلقاتهم ولكن شركة الجسر العربي وعدت بصرف تعويضات لهم في أقرب فرصة مع استمرار التحقيقات في أسباب الحادث ومدي سلامة العبارة من عدمه.في البداية أكد منصور محمد حسن البالغ من العمر42 عاما, الذي جاء مصابا في ساقه وساعده باصابات طفيفة وينتمي إلي مدينة السنبلاوين بمحافظة الدقهلية ـ انه يعمل بدولة الأردن منذ15 عاما ضمن العمالة الموسمية( مبيض محارة) وفور ابحارنا من ميناء العقبة الأردني في السابعة من صباح أمس الأول قاصدا الذهاب إلي بلدتي علي متن العبارة المنكوبة بيلا لقضاء إجازة عيد الأضحي المبارك برفقة أسرتي الصغيرة المكونة من أربعة أفراد بعد غياب استمر لعدة أشهر ذقت خلالها مرارة الغربة لجمع ما يسد حاجة أسرتي, سمعنا صوت جرس يشبه الانذار ولم يخطر في بالنا أنه انذار تحذيري لنشوب حريق بالمركب وبعد نحو ساعة عندما كنا في عرض البحر ظهر دخان كثيف يتصاعد من أسفل العبارة إلي أعلاها, وعلي الفور تعالت الصيحات وصراخ جميع الركاب خاصة النساء والأطفال ونطقنا الشهادة لأكثر من مرة ولم نجد أمامنا إلا قوارب النجاة المثبتة علي جانبي العبارة بأنفسنا والهبوط بها في الوقت الذي اختفي فيه العاملون بالعبارة البالغ عددهم نحو5 أفراد الذين كان شغلهم الشاغل هو بيع الشاي والقهوة لنا ولم يكن بينهم فرد واحد مدرب علي الإنقاذ البحري علي حد قوله.وفور هبوطنا إلي المياه فوجئنا بتدخل سريع من قبل مركز البحث والإنقاذ السريع التابع للقوات المسلحة من خلال طائرتين وقوارب سريعة وأطواق النجاة بالمشاركة مع القوات البحرية الأردنية في إنقاذ اعداد كبيرة من الركاب كان بينهم أطفال, مشيرا إلي أنه فقد أمتعته وبعض الهدايا التي تقدر ثمنها بنحو400 دينار أردني.وأضاف عادل مسعد طلبة من محافظة الشرقية ويبلغ من العمر33 عاما ويعول طفلين شاهدنا الأدخنة والنيران الكثيفة سوداء اللون تخرج من مؤخرة العبارة مما جعلنا لا نستطيع التنفس أو حتي الرؤية وصرخنا بأعلي صوت علي طاقم الإنقاذ لاغاثتنا ولم يسمعنا أحد, وأخيرا قام طاقم الإنقاذ بالتحرك سريعا بفك الزوارق المطاطية والخشبية وهبطنا في المياه ومن شدة الرعب الذي ملأ قلوبنا خاصة ان من بيننا أطفالا ونساء استقل كل100 راكب قاربا واحدا برغم الزحام الشديد في القوارب وذلك هربا من الحريق الذي كاد يلتهمنا ويفقدنا الوعي من ضيق التنفس وساعدنا بعضنا بعضا بالتجديف بايدينا لنبتعد عن العبارة بأقصي سرعة ممكنة وصيحاتنا تعتلي السماء طلبا للاغاثة حتي تدخلت القوات البحرية الأردنية بقواربها المدون عليها( عبدالله) وظلوا يسحبون بنا القوارب وصعدنا إلي احدي العبارات الأردنية التي كانت تفتقر إلي أبسط أدوات الإسعافات الأولية وقدموا إلينا وجبة غذائية عبارة عن بسكويت وشربة ماء, في الوقت الذي فقد بعض الركاب أطفالهم أثناء الهروب من جحيم العبارة المنكوبة( بيلا) لكن سرعان ما عدنا إلي ميناء العقبة الأردني, وفي غضون دقائق وصل الأطفال إلي أسرهم وسط صيحات اعتلت تارة من الفرحة بعودة الأطفال سالمين, وتارة أخري من الحزن لفقدان تحويشة العمر.ويقول ربيع محمد من محافظة بني سويف البالغ من العمر54 عاما لقد عملت سنوات عديدة في الغربة وكنت عائدا ومعي كل ما كنت أدخره من مبالغ مالية وأجهزة كهربائية خلال سنوات غربتي لا أستطيع شراءها مرة أخري, وطالب بسرعة صرف تعويض فوري حيث إنه علي حد قوله لا يملك سوي جزء بسيط من ملابسه.أما أحمد سالم محمد فرج البالغ من العمر62 عاما من محافظة الشرقية فيقول كنت أعمل بدولة الأردن في مصنع لإنتاج الطوب لعدة سنوات ذقت خلالها مرارة الغربة وفراق الأسرة لجمع بعض المبالغ لتوفير الاحتياجات الضرورية لأسرتي وما يتبقي منها أقوم باستكمال انشاءات منزلي, لكن فقدت أحلامي علي متن العبارة المنكوبة, مشيرا إلي أن العبارة ظهر عليها علامات التهالك وكنت متيقنا بان حمولتها في هذه الرحلة أكبر من اللازم وبعد أن أبحرت ومضي عليها حوالي ساعة ونصف الساعة كنت خلالها مستيقظا فوجئت وجميع الركاب باندلاع النيران من اسفلها يصاحبا دخان كثيف حتي إن جميع الركاب حدث بينهم حالة من الذعر والهرج كما انهم فقدوا السيطرة علي أعصابهم وتمادوا في البكاء.وفي السياق نفسه فجر فادي محمد مصطفي البالغ من العمر27 عاما وينتمي إلي محافظة الشرقية ويعمل مقاول دهانات وديكورات في دولة الأردن مفاجأة خطيرة وهي عندما أبحرنا بالعبارة وأصبحنا في عرض البحر سمعنا ارتفاعا شديدا في أصوات ماكينات التشغيل, وعلي الفور اندلعت النيران وصعد إلينا طاقم العبارة وعددهم5 أفراد لتهدئتنا لكن ما شعرنا به ان العبارة ستهلك خلال لحظات وهو ما حدث بالفعل وقمنا بانزال قوارب النجاة المطاطية والخشبية التي يقل القارب الواحد نحو70 راكبا للنجاة بأرواحنا في حين ان حمولة القارب الواحد تصل إلي30 راكبا فقط, وبعد أن أصبحنا بالمياه فوجئنا بتسرب المياه من قاعها وأصبنا جميعا بحالة من الذعر بعد أن تيقنا أن مصيرنا الموت المحقق وظللنا نخرج المياه من قاع القوارب بايدينا حتي رأينا فرق الإنقاذ البحري التابع للقوات المسلحة تقترب منا وقامت بانتشالنا وتساءل أين لجان التفتيش البحري وهل لم نتعظ إلي الآن من كارثة العبارة السلام؟؟والتقط أطراف الحديث أيمن بدر من مركز دسوق بمحافظة كفرالشيخ انه جاء من المملكة العربية السعودية وبرفقته سيارته الخاصة المحملة بالأمتعة والهدايا لأفراد أسرته وكانت فرحته غامرة للقاء أسرته بعد غياب استمر لعدة سنوات, مشيرا إلي ان هذه السعادة تحولت إلي حزن بسبب فقدان الأمتعة والهدايا وحالة الذعر التي انتابته خلال حريق العبارة, مؤكدا أنها علي حد علمه كانت متوقفة عن العمل لمدة ثلاثة أشهر لكنها حصلت علي تقرير يفيد اجازة الابحار منذ نحو أسبوع, في حين أنها تعمل علي الخط الملاحي نويبع ـ العقبة منذ أكثر من10 سنوات, وطالب شركة الجسر العربي بتعويض جميع الركاب عن الضرر المادي والمعنوي الذي لحق بهم جراء حريق العبارة باعتبارها المسئول الأول عن هذه الكارثة.بينما يقول محمد فتح الله من مدينة طنطا بمحافظة الغربية إنه فقد كل ما ادخره خلال عمله بالمملكة العربية السعودية طيلة10 سنوات بالإضافة إلي سيارة وهدايا عينية وجاء شقيقه الأصغر لينتظره خارج الميناء صباح أمس الأول, في الوقت الذي ترددت فيه الأنباء عن حريق هائل قد نشب بالعبارة وظن أنني قد فارقت الحياة حتي ترددت انباء أخري بتدخل رجال القوات المسلحة وتم إنقاذ جميع الركاب, ومن هنا عادت الفرحة إلي قلبه مرة أخري للقائي بعد طول غياب وماعدت بشئ سوي جلباب فقط حتي أنني فقدت حذائي.ومن جانبه أكد الربان نبيل لطفي نائب مدير عام شركة الجسر العربي المالكة للعبارة بيلا المنكوبة انه سيتم صرف كل التعويضات للمتضررين في أسرع وقت ممكن وفقا للقوانين والضوابط المنظمة في مثل هذه الحالات, حيث سيتم دراسة تعويض كل حالة علي حدة وفقا لقيمة مفقوداتهم



المصدر : الاهرام


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق