لو سألت أي حاكم عربي يا تري ما هي أمنيتك الآن؟ فلن يتردد أن يقول: إنه يوم الجمعة الذي اتمني أن يكون غير موجود اصلا فلقد صار يوم الجمعة هو الموعد الثابت للحشود الجماهيرية المطالبة بالحرية .
واصبحت قوة الحكم الديكتاتوري تقاس بمدي قدرة تحمله لعدد أيام الجمع بل لا أغالي إذا قلت ان فترة الانظمة العربية الحاكمة بدأنا نحن الشعوب العربية نحسبها بالجمعة, وبدا واضحا التلاقي بين الجمعة والثورة من جهة التدين والايمان بنصر الله علي الظالمين من بين هؤلاء الحكام ومن جهة أخري كمنبر تنطلق منه كلمات التحريض علي الانتفاضة والثورة, والأبعد من هذا كله فلقد أصبح لهذا اليوم دلالة مهمة تتلخص في استعادة دور الجامعة المغيب بعد أن سرقته السلطة السياسية منذ عهد بنو أمية قبل إثني عشر قرنا وشكلت ثورة25 يناير المصرية أوضح مثال علي دور الجامع خاصة يوم الجمعة من كل أسبوع لتعطي نموذجا تعتريه المفارقة, واما اللافت للانتباه فيما حدث من تغيير للجمعة وموافقتهم أن يكون موعدا اسبوعيا للمطالبة بالحرية مع أنه كان بامكانهم الاصرار علي يوم الأحد وقد تجلي هذا الترحيب القبطي في مشاركة رجال دين اقباط للمسلمين في صلاة الجمعة الموحد بعيدا عن هيمنة السلطة فلقد كان الجامع في بدايات الإسلام وقبل ظهور الدولة المنظمة مكان اللقاء الأسبوعي بين غير المسلمين من مسيحيين ويهود وأولي أمر المسلمين للشكوي أو لتقديم المطالب أو لدخول الإسلام.ومن جمعة الغضب إلي جمعة النصر وجمعة الرحيل إلي جمعة الشهداء وحتي جمعة الانذار الأخير والاغلبية الصامته وإلي آخر الصفات التي سيسجلها التاريخ كمواعيد لإنهاء الطغيان.. لم تعد الجمعة في عيون المصريين مسلمين ومسيحيين رمزا للدعاء والابتهال إلي الله ضعفا واستكانة للظلم فحسب إنما يوم للصراخ وبعلو الصوت في وجه هذا الظلم ولأن العلاقة بين العبد وربه دائما ما تأخذ طابعا خاصا بين الإنسان وخالقه وتتوهج في يوم الجمعة فقد توهجت علاقة الثورات العربية بالعبادة وزاد ارتباطها بيوم الجمعة ومثلما تحرر الإنسان العربي من خوفه وهواجسه فقد تحرر الدين من سطوة السلطة.وأكثر حالة برز فيها هذا الدور المتحرر للدين والجامع هو عندما يتحول ميدان التحرير في قلب القاهرة إلي جامع الجموع وانتقلت جموع المصلين لاداء صلاة الجمعة إليه, في رمزية لا يخطئها المراقب مفادها أن الدين سمح وهو ملك للجميع وشعائره خاصة لا معني لها ان لم تمارس في حرية مطلقة وان صلاة الجمعة علاوة علي كونها فريضة ربانية هي أيضا دعوة للناس ليلتقوا في الهواء الطلق بعيدا عن قيود المكان ـ خاصة في ظل سلطان جائر.ويبقي أن ننتبه إلي ان رمزية يوم الجمعة ودور الدين في الحياة العامة لاينبغي أن يكون محاولة لاصباغ ثورات الربيع العربي والثورة المصرية بالذات صبغة دينية أو توظيفها في هذا الاتجاه: فأجمل شيء أن تتحرر السياسة والدين معا في هذا اليوم
المصدر : الاهرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق