الاثنين، 8 فبراير 2010

قراءة اجتماعية في ظاهرة جدو


يستحوذ محمد ناجي جدو لاعب نادي الاتحاد السكندري والمنتخب الوطني علي الكثير من متابعة واهتمام الرأي العام‏,‏ ليس في مصر وحدها‏,‏ وانما في سائر ارجاء العالم‏,‏ حيث تحول هذا الشاب القادم من مدينة صغيرة في محافظة البحيرة بدلتا مصر إلي نجم عالمي تتحدث الصحافة العالمية عنه باعتباره اهم علامات بطول كأس الأمم الافريقية التي اقيمت أخيرا في انجولا‏.‏وكما روي مسيرة حياته في عدة صحف وبرامج تليفزيونية صعد ابن حوش عيسي سلم النجومية خطوة‏..‏ خطوة‏..‏ من لاعب في مركز شباب مدينته الصغيرة‏,‏ إلي نادي العاب دمنهور عاصمة المحافظة مقابل خمسة آلاف جنيه‏,‏ ثم إلي نادي الاتحاد أكبر اندية الثغر قبل ثلاث سنوات مقابل‏350‏ الف جنيه لناديه السابق‏,‏ ثم ارتفع المقابل الذي عرضه نادي قطري إلي مليوني دولار للاتحاد مقابل الاستغناء عن اللاعب الذي ابهر العالم بهدوئه في الاوقات الصعبة‏,‏ ومهاراته الاستثنائية في كرة القدم‏.‏لكن قصة الصعود الدرامي في عالم الرياضة ليست هي ابرز ما يمكن التوقف عنده في مسيرة هذا اللاعب‏,‏ فالأهم هو الصعود المتأخر‏,‏ فجدو في عامه السادس والعشرين‏,‏ يبين عن مهاراته لأول مرة‏,‏ وهو في عرف كرة القدم نبوغ متأخر نادرا مايحدث‏,‏ فمهارة اللاعب وتألقه يبدأ في الظهور في السادسة عشرة أو بعدها بعام أوعامين علي الأكثر‏,‏ وفي سن التاسعة عشرة يبدأ في الظهور في الدوريات الممتازة‏,‏ حيث يطرح نفسه في العشرين علي الأكثر كلاعب يمتلك القدرة علي الانضمام للفريق الوطني‏..‏ ومن ثم تمضي المسيرة‏,‏ ويصبح امام اللاعب عشر سنوات علي الاقل يفيد بها وطنه‏.‏هنا تبدو مشكلة الظهور المتأخر لجدو ليست بعيدة عن الحالة المصرية‏,‏ فالمصريون بعكس شعوب العالم جميعا يبدأون النبوغ في المراحل المبكرة من طفولتهم وقبل الالتحاق بالمدارس ويري علماء النفس والنمو ان النبوغ ينبغي ملاحظته منذ الميلاد‏,‏ والعمل علي تنميته قبل مرحلة الدراسة‏,‏ بحيث يصل الطفل إلي المدرسة جاهزا ومستعدا للانطلاق بنبوغه إلي آفاق ارحب‏.‏لكن المشكلة ان الكثير من قدرات وعلامات وامارات نبوغ المصريين تنتهي في طفولتهم‏,‏ وغالبا في البيت قبل الوصول إلي المدرسة التي تتكفل بالقضاء علي ما تبقي من قدرات خاصة لدي الطفل‏..‏ وبينما تستمر مسيرة النبوغ والتفوق لدي معظم اطفال العالم في مسيرة تصاعدية‏,‏ تحدث حالة من الانقطاع لدي نظرائهم المصريين‏,‏ وغالبا ما تنتهي السنوات العشرين الأولي من عمر اي مصري دون تحقيق انجاز يذكر علي الصعيد الشخصي والقومي‏,‏ ومن ثم يبدأ الناس في اعادة اكتشاف انفسهم في نهاية مرحلة الشباب‏,‏ واستخراج ما كان موجودا وتم دفنه في اعماق النفس البشرية‏.‏حالة جدو هي اصدق نموذج للحالة المصرية العامة‏,‏ فالنبوغ الرياضي مثل اي تميز آخر‏,‏ ينبغي اكتشافه ورعايته منذ الطفولة‏,‏ لذلك تري افضل لاعب في كرة القدم علي مستوي العالم الارجنتيني ليونيل ميسي ظهرت عبقريته الكروية قبل ان يكمل العاشرة من عمره وتبناه ناديه الاسباني‏,‏ حتي انه تولي علاجه من مشاكل صحية كانت كفيلة بالقضاء علي موهبته الكروية‏.‏وفي السابعة عشرة من عمره كان ميسي نجما كرويا وصل بشهرته إلي العالمية‏,‏ واصبح فاعلا ومؤثرا في الفريق الوطني الارجنتيني قبل ان يكمل العشرين من عمره‏..‏ وهناك امثله كثيرة في كل بلدان العالم مثل واين روني الانجليزي لاعب مانشستر يونايتد‏,‏ والاسباني راؤول جونزاليز لاعب ريال مدريد‏.‏في مصر آلاف مثل جدو في مجالات مختلفة لايسمح النظام الاجتماعي المتهالك بمساعدتهم علي النبوغ‏,‏ في كرة القدم أو غيرها‏,‏ وبينما يعبد المصريون الشهادات الجامعية‏,‏ ويضيفون اكثر من مليون خريج لقوائم العاطلين سنويا‏,‏ يدرك العالم من حولنا ان لكل انسان ميزة خاصة‏,‏ يفترض علي المجتمع ان يعمل علي تنميتها حتي تكتمل في مراحل العمر الأولي‏..‏ ولاتصل ابدا إلي حالة النبوغ الرياضي في سن السادسة والعشرين اي قبل اربع سنوات من انتهاء رحلة العطاء في كرة القدم‏!‏

الاهرام المسائي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق