أدي دخول الإخوان إلي الحياة السياسية من بابها القانوني إلي تجديد أفكارهم السياسية بشكل لافت. فمن يقارن بين ما أنتجته قريحة الإخوان من رؤي حول الحكم قبل أن يتحالفوا
مع حزب الوفد الليبرالي في انتخابات مجلس الشعب عام1984 وبعد هذا التاريخ إلي قيام الثورة يكتشف حجم التغير الإيجابي المستمر في الخطاب السياسي الإخواني, الذي خطي خطوات واسعة نسبيا منذ أن طرح مأمون الهضيبي برنامجه في الانتخابات البرلمانية عام1995 وحتي برنامج حزب الحرية والعدالة الذي يعد أرقي وثيقة سياسية قدمتها الجماعة في تاريخها.فالسياسة التي تقوم علي لغة المصالح وتعرف المساومات والمواءمات والحلول الوسط وفنون التفاوض, لاشك أنها تهشم باستمرار الخطاب المتجمد أو المتحجر, الذي يظن أصحابه أنه مطلق وغير قابل للدحض, قبل أن يدخلوا إلي غمار السياسة, ويفرض عليهم الواقع بمشكلاته المتراكمة شروطا قاسية لافكاك منها. فما هو موجود علي الأرض نسبي, وتنسحب نسبيته, من دون شك, علي أقوال وأفعال كل من يتفاعل معه سلبيا أو إيجابيا.مثل هذا المدخل سينطبق علي الجماعات السلفية التي سارعت بتشكيل حزبي النور والفضيلة. فهي إن كانت حديثة عهد بالممارسة السياسية المباشرة التي تتم عبر القنوات القانونية للدولة, فإنها ستجد نفسها, كلما أوغلت راحلة في دهاليز السياسة, مضطرة إلي التخلي عن بعض مقولاتها الوثوقية المغلقة تدريجيا, حين تدرك أن الواقع المعيش له متطلبات غير تلك التي يمكن أن تدون في الكتب أو تقال علي المنابر أو داخل حلقات الدرس, من دون اختبار عملي لها.وقد تشكل هذه الجماعات عبئا في البداية علي الحياة الديمقراطية, لاسيما أنها تريد من الديمقراطية الجانب الإجرائي فقط لتستخدمه في الوصول إلي السلطة دون أن تلزم نفسها أبدا بالجانب القيمي الذي يمثل جوهر الحريات السياسية العامة, فهي هنا تخلق نمطا يمكن أن نسميه يمقراطية الكلينكس التي يتم استعمالها لمرة واحدة, لكن بمرور الوقت فإنها قد تكسب هذه القيم, لاسيما أنها لاتمتلك مشروعا سياسيا حديثا, أو نظرية سياسية متكاملة الأركان, إنما تلبي احتياجات الواقع بآراء ومواقف منبتة الصلة عن بعضها البعض, الأمر الذي يجعلها تقع في تناقض مستمر, يربك خطابها ويفقده التماسك, ويضعفه في مواجهة خطاب سياسي أكثر اكتمالا.ومن يتابع تطور الخطاب السياسي للجماعات والتنظيمات السياسية ذات الإسناد الإسلامي يكتشف أنها هي التي تأتي علي أرضية التيار الإصلاحي أو المدني, وليس العكس. ومن هنا فإن الاعتقاد بأن الإسلاميين سيظلون معضلة أمام الديمقراطية إلي الأبد يبدو اعتقادا خاطئا, بدليل قدرة هؤلاء علي تطوير أفكار سياسية عصرية كما تجلي في التجربة التركية, وبشكل أقل في التجربة المغربية.لكن هذه الجماعات والتنظيمات ليست علي قدم سواء من الامتلاء بالديمقراطية قيما وإجراءات, فجماعة الإخوان أقرب بحكم انغماسهم في الحياة السياسية مبكرا, وتفاعلهم المستمر مع الخطابات المدنية, وتأتي بعدها الجماعة الإسلامية التي غيرت الكثير من أفكارها في سياق عملية المراجعات التي أعقبت مبادرة وقف العنف, فبعد أن كانت ترفض الحياة الحزبية تماما وتقول إنه لايوجد سوي حزبين حزب الله وحزب الشيطان وبعد أن كانت تعتبر البرلمان مؤسسة كافرة لأنها تشرع بغير ما أنزل الله وتري في الديمقراطية رجس من عمل الشيطان هاهي تقبل بنهم شديد علي تأسيس حزب سياسي, وتطمح في الوصول إلي البرلمان, ويجري مصطلح الديمقراطية علي ألسنة قادتها سخيا رخيا.أما السلفيون فقد تواجدوا علي قيد الحياة الاجتماعية المصرية عبر جمعيات للنفع العام أو مسالك مدرسية فقهية من خلال طريقين أساسيين, الأول تمثل في الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة والثاني هو جماعة أنصار السنة المحمدية وكلتاهما ظهرت في عشرينيات القرن العشرين, ثم ظهرت في السبعينيات من القرن ذاته سلفية الإسكندرية وتبعتها جماعة التبليغ والدعوة في الثمانينيات. وظل هذا الخط الخيري ــ الدعوي هو أساس عمل السلفيين, لكنهم عقب الثورة سارعوا إلي الانخراط في معترك السياسة, دون أن يمتلكوا بعد الفكرة والخبرة التي تؤهلهم لهذه العملية التي قامت علي أكتاف ثورة رفعت شعارالحرية والعدالة والكرامة ودون إبداع رؤي سياسية تطمئن المحيط الاجتماعي بأن الديمقراطية قولا وفعلا قد رسخت في أذهانهم. لكن هذا لايعني أبدا حرمانهم مع ممارسة السياسة, إنما دفعها إلي القبول بشروط اللعبة السياسية كما يضبطها الدستور والقانون, وفي هذا ماسيقود حتما إلي ترشيد أفكارها الاجتماعية والسياسية, وهذا من فضائل ثورة52 يناير علي الجميع.
المصدر : الاهرام المسائي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق