كانت الثورة الاسلامية سلمية, فلم يدخل الإسلام حروبا دون أن يضطر لها اضطرارا, وفي مكة قبل الهجرة, كانت الثورة سلمية لا تمتلك حتي فرصة الدفاع عن النفس سوي بالصبر,
وكانت حكومة قريش تسعي لإجهاض الثورة بأي وسيلة, حتي لو اقتضي الأمر انتهاك حقوق الإنسان التي أقرها إيلاف قريش, وبالطبع فإن أول مظاهر هذا الانتهاك كان التعذيب في سلخانات القريشيين.وكأي ثورة سلمية فقد قدم الإسلام شهداء, سبقوا شهداء الغزوات والسرايا, عليهم جميعا رضوان الله, وكان أسبق المسلمين إلي حصد لقب الشهيد أو الشهيدة هم آل ياسر.سمية بنت خياط, وزوجها ياسر بن عامر الذي جاء مكة هو وأخواه الحارث ومالك من اليمن, وأقام بها. وحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم, وكانت سمية جارية عند أبي حذيفة, وزوجها ياسر بن عامر, فولدت له عمارا, فأعتقه أبوحذيفة.توفي أبو حذيفة, فلما جاء الله بالاسلام أسلمت الأسرة, وكانت سمية سابع من أسلم, لقد كانت سمية من الأسرة التي ألبسها المشركون أدراع الحديد, وصفدوهم في الشمس, فبدأت رحلة العذاب مع سمية وزوجها وابنها عمار حيث كان المشركون يخرجونهم إلي الفضاء إذا حميت الرمضاء ليرتدوا عن دينهم, وكان الرسول يمر بهم فيقول لهم: صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة. فتزداد الأسرة الصابرة صلابة وإيمانا وتسليما, حتي استشهد ياسر تحت التعذيب, فواصلت الأسرة الياسرية رحلة الصبر والثبات.وبدأت سمية تتحدي بني المغيرة بن عبدالله بن مخزوم, وتقف صامدة أمام أبي الحكم الذي كان يشعر بوطأة هزيمته من سخرية سمية, فما يسقط الطغاة أمر أشد من السخرية عليهم, ولنا في المخلوع أسوة حسنة.إذن فقد حطمت ــ رضي الله عنها ــ كبرياءه وصلفه بصبرها وثباتها, وفطرت قلبه بعدم ذكرها رسول الله صلي الله عليه وسلم ــ ولو بكلمة واحدة.لم يكن ابوالحكم يترك وسيلة في فتنة الناس عن الإسلام إلا اتبعها, فإن كان الرجل له شرف ومنعة أنبه وقال: تركت دين أبيك وهو خير منك لنسفهن حلمك( عقلك), وإن كان تاجرا قال: والله لنكسدن تجارتك, ولنهلكن مالك, وإن كان ضعيفا ضربه وأغري به. وإن كان ضعيفا لا يشعر بأنه ضعيف فعل معه مثلما فعل مع سمية.ظلت سمية تتحمل العذاب, وتصبر صبر الأبطال, فلم تهن عزيمتها أو يضعف إيمانها, وذات يوم أغلظ لها الكلام, ثم قال لها: ما أمنت بمحمد إلا لأنك عشيقته لجماله, فما كان جوابها إلا أن أغلظت له القول. فأعضبته, ولم يكن من جبروته وغيه إلا أن طعنها بحربه في قلبها فماتت شهيدة في سبيل الله. فكانت بذلك أول شهيدة في الاسلام.
المصدر : الاهرام المسائي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق