هل تظنون أن مشهد مبارك داخل القفص خاضعاً للمحاكمة يمكن أن يمر بسهولة؟هل تظنون أن مبارك وابنيه وأركان نظامه لا يفكرون الآن فى الرد، بأى شكل وبأى وسيلة، لمنع سير العدالة فى طريقها؟ من يتأمل مسار الرئيس المخلوع وممارسات ولديه السياسية والاقتصادية، لابد أن ينتهى إلى أن الرغبة فى النجاة والفوز بالمكاسب كلها، دون دفع أى ثمن أو حتى الاعتراف بالأخطاء، هو السمة المميزة لمبارك ورجال نظامه، لا يهم حجم الأضرار التى قد تعود على الناس أو على البلد، المهم هو مصلحته الشخصية المباشرة ليس إلا.عندما بدأت التحقيقات مع الرئيس السابق، أنكر كل الاتهامات المنسوبة إليه، وكأنه لم يكن رئيس الجمهورية وصاحب القرار السياسى فى البلد، وباع كل رجاله وحملهم مسئولية جرائم قتل المتظاهرين وقطع خدمة الإنترنت والموبايل واستغلال النفوذ والتربح وتصدير الغاز إلى إسرائيل، وأخذ يوزع الاتهامات يميناً ويساراً حتى على أقرب المقربين منه، اللواء عمر سليمان الذى وقف إلى جواره حتى اللحظات الأخيرة، لكن اهتمام مبارك كان منصباً على كيفية نجاته شخصياً وولديه علاء وجمال.الآن، وبعدما انتهت مرحلة التحقيقات، وأحيلت القضية للمحاكمة، وبعد تأكد مبارك من أن العدالة تأخذ مجراها فى جميع الجرائم المتهم بارتكابها هو وحاشيته، وأن الشفاعة التى ظل يرتجيها من الحكام العرب فى إعفائه من المحاكمة لم تقبل فى دماء الشهداء وفى جرائم الفساد والإفساد على مدى سنوات حكمه، تحول مبارك إلى ممارسات اليائسين الذين يوزعون الاتهامات فى كل اتجاه، انطلاقاً من المثل الدارج "علىّ وعلى أعدائى"، يساعده فى ذلك فريق من المحامين المدربين على انتهاج الأساليب الملتوية واستغلال إثارة الرأى العام وسحبه فى اتجاهات يتوهمون تأثيرها على المحاكمة التى يلتف وراءها جميع المصريون وينشدون فيها العدالة من القضاء المصرى النزيه. كان أول رد فعل من مبارك ودفاعه هو التشتيت والمماطلة عن طريق طلب قائمة شهود تبلغ 1632 شاهداً، يستغرق سماع شهاداتهم الشهور الطوال، وهى استراتيجية لا تهدف إلى إثبات حق بقدر ما تهدف إلى تعطيل العدالة أولاً، واستفزاز الرأى العام ثانياً، عبر انتهاج أساليب تؤخر صدور الحكم الأمر الذى قد يدفع، حسب تصور مبارك ودفاعه، إلى كسر وحدة الصف للشعب المصرى الملتف حول المحاكمة فخوراً بقضائه العادل.أيضا، وضمن الأساليب الملتوية التى تهدف إلى إحداث الوقيعة بين الجيش والشعب، أو دفع الجماهير إلى الثورة مجددا، هو تعمد دفاع مبارك إطلاق تصريحات حول ضرورة حضور المشير طنطاوى للشهادة فى المحكمة، حتى يتسنى لمبارك أن يكشف المستور، وتعمد دفاع مبارك توزيع الاتهامات التى تواجه مبارك على قيادات جيش مصر الوطنى، وهم يعلمون أن أى عاقل يمكنه بسهولة تفنيد ادعاءاتهم، بمجرد أن يسأل، لماذا لم ينفذ الجيش أوامر مبارك باستخدام العنف مع المتظاهرين خلال أيام الثورة؟ لماذا قبل المخاطرة وانحاز إلى الشعب والثورة ولم ينحز للأوامر الصادرة من القصر الجمهورى؟ ولماذا تنطلق مثل هذه التصريحات المغرضة الآن عن وجود دور لجيش مصر وقياداته فى الجرائم التى ارتكبها نظام مبارك أثناء الثورة عندما دخلت محاكمة "المخلوع" فى الجد وبات أقرب ما يكون إلى المصير الذى ينتظر من اتخذ قرارات مثل التى اتخذها تجاه شعبه؟.إن الوضع الآن يشير إلى أن مبارك اليائس وفريق دفاعه يسعى بكل قوة إلى إحداث الوقيعة بين الجيش والشعب، دون اهتمام بالمصلحة العليا للبلاد فى هذه المرحلة الدقيقة، ومنذ متى كان مبارك ونظامه يهتمون بالمصلحة العليا للبلاد؟، لكنهم ينسون أن المصريين الأذكياء بالفطرة يستطيعون التفرقة جيداً بين من يهتم بمصالحه الشخصية وبين من يسهر على مصالح الشعب.
المصدر : اليوم السابع - كريم عبد السلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق