الخميس، 19 مايو 2011

سد الألفية العظيم..هل يؤثر على حصة مياه مصر؟



هواجس ومخاوف تتعلق بأمن مصر المائى، آثارها اعلان الحكومة الاثيوبية رسمياً إنشاء "سد الألفية العظيم"، بالقرب من الحدود الأثيوبية السودانية على "النيل الأزرق"، بهدف رفع إنتاج الطاقة الكهرومائية إلى 10 آلاف ميجاوات خلال السنوات الخمس المقبلة حيث يتوقع أن ينتج السد 5250 ميجاوات من الكهرباء.وان كانت هناك توقعات متفائلة ترجح كفة فوائد السد على أضراره ،وتشير الى استفادة مصر والسودان من مزايا هذا المشروع فى صورة تراجع تراكم الطمى وراء سدود الرى بالبلدين، وتناقص معدل تكرار الفيضانات، وبالتالى انخفاض الفاقد فى موارد المياه.
موقع أخبار مصر استطلع رأى نخبة من الخبراء فى محاولة لحسم موجة الجدل ومعرفة الحل الأمثل للخروج من هذا المأزق مع دول منابع النيل.

معلومات فنية دقيقة
د. محمود أبو زيد وزير الرى الأسبق ورئيس المجلس العربى للمياه ،قال إن الحكم على مدى خطره أو نفعه يتطلب توافر معلومات علمية كافية ودقيقة .
وأشار د. محمود الى جهود الدبلوماسية الشعبية التى أسفرت عن تشكيل لجنة ثلاثية من مصر واثيوبيا والسودان لدراسة حالة السد من حيث ارتفاعه وحجم المياه خلفه وسمكه وتقدير تأثيره حاليا ومستقبلا على حصة دولتى المصب من مياه نهر النيل ، رغم تصريح رئيس وزراء اثيوبيا بأن السد لن يؤثر على حصة مياه مصر، الثابتة منذ أكثر من نصف قرن عند 55,5 مليار متر مكعب من المياه سنوياً ، وتأجيل تصديق البرلمان الأثيوبي على اتفاقية"عنتيبى"حتى إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المصرية.
ثم استدرك د. "أبو زيد" قائلاً إنه اذا كان السد يستهدف فقط توليد الكهرباء وليس استغلال مياهه فى الزراعة ، فمن غير المحتمل أن يؤثر على حصة مصر .كما طالب بتفعيل الاتفاقيات الدولية لادارة الأنهار المشتركة ،والاستعانة بالمنظمات الدولية المعنية بالبيئة حتي ينتبه العالم إلي آثار إقامة السدود الإثيوبية على البيئة النباتية أوالسمكية .

تحايل على القانون
د. نورعبد المنعم نور الخبير الاستراتيجى للمياه بالشرق الأوسط، يؤكد أنه لابد من التحرى للتحقق من المعلومات الفنية التى سوف تحسم مدى خطورة الموقف ، قائلا : فى اعتقادى أن السد سيؤثر على سرعة وكميات المياه ، فبدلا من تدفقها بضخامة خلال شهور الفيضان ، ستتدفق طوال العام بكميات أقل ،وحتى ان أظهرت الدراسات ان جسم السد يحجز كميات كبيرة من المياه تضر بحصة مصر ،أشك ان يتم اعادة النظر فى دراسة الجدوى لأنها مكلفة مادياً بل وتعنى تأجيله لأكثرمن 10 سنوات وتأخير توليد الكهرباء.. فما المقابل ومن سيتحمل التكلفة ؟.
وينبه د. نور الى نقطة اخرى فى غاية الخطورة تشكل تحايلاً على القانون هى الاستعانة بشركات عالمية لتمويل هذه المشروعات كالشركة الايطالية التى خصصت له نحو ٤.٨ مليار دولار، والشركات النرويجية والبريطانية المتقدمة بعروض لتمويل سدين اخرين، لكن سد الألفية يعد الأول على النيل الازرق والاقرب والاخطر على مصر .
وفسر د. نور هذا التحايل بأن المؤسسات الدولية المانحة ترفض تمويل هذه السدود حتى لا تتورط فى مخالفات للقوانين والاتفاقيات الدولية ،إعمالاً لمبادئ القانون الدولى مثل"عدم التسبب فى الضرر"و"التشاور والإخطار المسبق‏".
أما التحكيم الدولى ، فيرى خبير المياه انه لاطائل منه لأنه يتطلب رفع دعوى تحكيم من الجانبين وهو مالن يحدث من اثيوبيا وبالتالى لن يجدى قانونا ، داعياً الى الحكمة فى احتواء الموقف لمواجهة أى محاولات من دول خارجية كاسرائيل ، قد تصعد الأزمة في حوض النيل عن طريق تمويل مشروعات مثل السدود ، ربما تؤثر على حصة مصر المائية ،بتقديم المساعدات المالية والفنية.

أوراق ضغط دبلوماسي
بينما يقول السفير ابراهيم يسرى مدير ادارة القانون الدولى والمعاهدات الدولية بوزارة الخارجية سابقا والمحامى بالنقض " نحن معنا كل الحق وفق الاتفاقيات الدولية لكن القوة لازمة لحصولنا على حقوقنا ،والدولة المخالفة للاتفاقيات هى المسئولة وليس الشركة الممولة ،وان كان بالامكان رفع دعوى تعويض على الشركة أمام محكمة دولية ،إلا أنه من الأجدى استخدام أوراق الضغط غير المعلنة وهى كثيرة لردع اثيوبيا مع بعث رسالة قوية بان العبث بحصة مصر المائية خط أحمر مع ابداء استعداد للتعاون وتبادل المصالح " .
ويرى السفير يسرى أن وفد الدبلوماسية الشعبية الذى زار اثيوبيا مؤخراً-رغم تقديره للرموز الوطنية النبيلة التي شاركت فيه بحسن نية من واقع انتمائهم الوطني - لم يحسن التفاوض ،كما رددت معظم وسائل الاعلام ،وان استجابة "زيناوى" مجرد تصريحات للتهدئة لم تترجم على أرض الواقع .
خسائر لاثيوبيا ومزايا لمصر
وفيما يتعلق بالمعوقات الجيولوجية ، أعلن الدكتور عباس شراقى أستاذ الجيولوجيا الاقتصادية بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة فى ندوة نظمها بعنوان"تأثير سد الألفية على مستقبل المياه لمصر والسودان" أن أثيوبيا ستكون أكبر الخاسرين من بناء السد ، بينما سيعود بالنفع الجيولوجى على مصر والسد العالى، مؤكداً أن هناك 7 خسائر كبرى ستتكبدها إثيوبيا، أولاها خسارة نصف مليون فدان من أفضل الأراضى التى تصلح للزراعة والقليلة أصلاً لديها، لأن المساحة خلف السد ستتحول إلى بحيرة.
والخسارة الثانية تتمثل فى عدم الاستفادة من المياه لأنه مهما بلغت كمية المياه التى سيحتقظ بها السد لن تستطيع نقلها إلى المناطق الزراعية بسبب الطبيعة الجيولوجية والجغرافية الوعرة للهضبة الأثيوبية،مشيراً إلى أن الخسارة الثالثة والأهم فقدان مناجم الذهب التى يكثر وجودها فى منطقة المشروع الغنية بالصخور المتحولة لأن مياه السد ستغمرها.
بينما تظهر الخسارة الرابعة فى اضطرار أثيوبيا إلى تهجير عدد من السكان الذين يقطنون المنطقة وسط توقعات بتعرض منازلهم للغرق وبينما أعلنت اثيوبيا أن سعة تخزين السد نحو ٦٧ مليار متر مكعب، إلا أن أفضل التقديرات الجيولوجية المحايدة وأبرزها تقرير أمريكى أكدت أن السعة لن تزيد على ١٧ مليار متر مكعب.
والخسارة الخامسة مائية لأن منطقة السد غنية بمياه الأمطار ووفقاً للتقديرات تسجل بين ٧٠٠ و٨٠٠ مليون مللى مطر، وهذا يعنى أنه فى موسم المطر لن تحتاج أصلاً إلى مياه نهر النيل أما فى موسم الجفاف فإن اثيوبيا لن تحتاج أكثر من ١.٥ مليار متر مكعب من المياه من إجمالى ٣ مليارات متر مكعب تصلها من روافد النيل بهذه المنطقة.
ووفقاً للأرقام السابقة،تتجسد الخسارة السادسة فى أن بناء السد فى هذه المنطقة سيؤدى لإهدار مائى فضلا عن تعريض البلاد لمخاطر عند زيادة الأمطار وفق بيانات الأرصاد..فالسد سيحجز نحو ٤٢٠ مليون متر مكعب من الطمى ، ما يقلل عمره الافتراضى حيث يتوقع أن يمتلئ تماماً بالطمى خلال ٢٥ عاماً ، فى المقابل يعتبر هذا الأثر السلبى للسد على أثيوبيا ميزة جيولوجية لمصر لأنه سيمنع كمية الطمى نفسها من الوصول للسد العالى ،وبالتالى يرفع عمره الافتراضى المقدر مبدئياً بـ٥٠٠ سنة ووصل مؤخرا إلى ٦٠٠ سنة بفضل السدود التى أقامتها دول بحوض النيل والتى حجزت كميات كبيرة من الطمى.
ويعتبرد. شراقى الخسارة السابعة الأخطر، إذ تتعلق بتزايد احتمالات انهيار سد الألفية بسبب التشققات الكبيرة للمنطقة الصخرية التى سيقام عليها وتزداد هذه المخاطر لأن النيل الأزرق يمر فيه ٥٠ مليار متر مكعب من المياه كل ٣ شهور ،وهذه الكمية الكبيرة من المياه بجانب تزايد رواسب الطمى يؤديان إلى انهياره فيما يشبه "تسونامى" اليابان ،ما قد يؤثر على السد العالى بسبب اندفاع كل كميات المياه فى لحظة واحدة بينما فى الطبيعى تصله خلال ٣ أشهر.
أما د. عبد الله الأشعل أستاذ القانون الدولى ومساعد وزير الخارجية الأسبق ، فأوضح أن مصر لها حقوق مؤكدة تحفظها وتنظمها عدة معاهدات واتفاقيات دولية مع دول الحوض اعتباراً من اتفاقيتى ١٩٠٢ و١٩٠٦ مع إثيوبيا، واتفاقية ١٩٢٩ مع دول الحوض فى البحيرات الإستوائية، واتفاقية ١٩٥٩ مع السودان وكلها تتضمن عدم إقامة أى مشروعات على مجرى النهر أو فروعه تقلل من نسبة تدفق المياه ، ما ينطبق على هذا السد وغيره.
ودعا د. "الأشعل" إلى استعادة دور مصر فى العمق الأفريقى و اجادة فن التفاوض واستخدام نظام الحوافز للحفاظ على الحقوق المائية كالتعاون فى مشروعات تحقق فائضاً مائياً لهذه الدول بالامكانيات والخبرات الفنية . واقترح اقتسام المياه المضافة نتيجة بناء السدود والخزانات دون المساس بالحصص المائية القائمة .
الفيصل فى النهاية ،يتوقف على المواصفات الفنية والرسومات الحقيقية التى تحسم الجدل حول تأثيرالسد على حصة مياه مصر ،أما مصيره بالتنفيذ أو التأجيل ،فمرهون بقوة ضغط الدبلوماسية المصرية


المصدر : اخبار مصر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق