أثناء عرض مسرحية "دماء علي ستار الكعبة" قلت للفنانة الكبيرة سميحة أيوب : النجاح الجماهيري الكبير لهذا العرض يثبت أن هناك نهضة مسرحية ثم إن هناك ذوقا عاما جيدا فالمسرحية باللغة العربية الفصحي وصياغتها كاملة بالشعر ومفاهيمها سياسية اجتماعية نقدية..
ومع ذلك كله استقبلها الجمهور باهتمام.. وأذكر أن سميحة أيوب لم تفاجأ بالكلام.. ولكنها صرحت أيضا بأن نجاح المسرحية لا يعني بالضرورة أن هناك نهضة مسرحية بالمعني الأشمل فالمسرح المصري عاش في حقبة الستينيات من القرن الماضي نهضة مسرحية حقيقية يشهد بها الجميع وفي اعتقادي أنها لن تتكرر ومن شروط عودتها أن تكون هناك خطة متكاملة لإحياء هذا الفن الرفيع الذي يجمع بين دفتيه جميع الفنون.
أتذكر هذا الكلام بعد مرور سنوات طويلة تقترب من عشرين عاما وأقول إنها تنبأت بما يجري حاليا.. فنحن في زمن ضياع المسرح.. نجحت العولمة بامتياز في تفتيت فنوننا وخاصة أمهات الفنون والترويج بأسلوب السلعة للدراما التليفزيونية التي تحولت الي اخطبوط يلتهم المبدعين.. ولكن هذه الخريطة العبثية التي تحكم الإبداع المصري حاليا ـ وربما العربي ـ الي أين ستصل بنا وعلي أي شط سترمينا.
قلت لسميحة أيوب: ولكن برغم الأزمة أنت تقاومين ولاتزالين تقدمين المسرح الجاد المصري والعربي والعالمي؟
- أنا عاشقة للمسرح من أخمص قدمي حتي أعلي شعري وأعتبر نفسي فنانة مسرحية بالدرجة الأولي برغم أنني شاركت في أكثر من 40 فيلما سينمائيا وكثير من الأعمال الدرامية التليفزيونية.. ولكني أحس بغربة شديدة بيني وبين السينما كنت أعمل في البلاتوهات ولا أجد نفسي أحس أنني في مكان غير بيتي لأن بيتي هو المسرح..
ولهذا اتخذت القرار بترك السينما وبسهولة تخليت عن السينما.. بينما الأمر بالنسبة للمسرح مستحيل والذي يعرف المسرح يدرك ما أتحدث عنه عشاق المسرح عندهم خشبة المسرح هي حياتهم.. وأنا تأثرت جدا حينما سمعت وقرأت عن وصية الشاعر اللبناني الشهير عاصي الرحباني أحد رموز الرحبانية في العالم.. أوصي أن يدفن في صندوق من خشبة المسرح التي كان يعمل عليها لأكثر من نصف قرن.. وأنا أجهز حاليا لنص مسرحي مازلت أقرأه.
هل تتذكرين أول مرة وقفت فيها فوق المسرح؟
- كان من خلال استاذي زكي طليمات وهو الذي أعطاني العديد من الفرص ومع كل عرض جديد كنت أكتسب خبرة أكبر وكان يزيد مساحات أدواري والتنوع في الشخصيات وحين تحمس لي تأكد من موهبتي قال لي إني سأكون أكبر وأهم نجمات المسرح المصري والعربي.
ونموذج زكي طليمات اعتبره قدوة وأتمني أن يوجد مثله في زمننا فهو أحد رواد الفن وله أسلوب عجيب في اكتشاف المواهب وتبنيها والارتقاء بمستواها وحينما التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية اهتم بي زكي طليمات أنا وزميلتي فاتن حمامة وارتبطنا بصداقة قوية في هذا الوقت وكان طليمات يولينا اهتماما كبيرا وبعد قرار فاتن حمامة بعدم الاستمرار في الدراسة وانسحابها بعد انشغالها في العمل السينمائي تركز اهتمامه بي وكانت مصر في هذا الوقت تمر بنهضة فنية كبيرة في كل المجالات.
من بين المجالات الفنية التي قدمت فيها أعمالا مبهرة الإذاعة حديثنا عن تجربتك الإذاعية؟
- أنا قدمت أعمالا كثيرة تتجاوز 75 عملا في الإذاعة أهمها مسلسل "سمارة" وكان عملا إذاعيا متكاملا لفت أنظار الجماهير وحقق نسبة سماع عالية جدا ولكن كلما تألقت في مجال كان المسرح يعود ويشدني اليه فلا أستطيع مقاومة المسرح أبدا.
أيضا قدمت في السينما أعمالا لا تنسي مثل أفلام "أرض النفاق ـ فجر الإسلام ـ امرأتان و رجل ـ جسر الخالدين" وغيرها؟
- دخلت السينما عام 1950 في فيلم "المتشردة" وكنت في الثامنة عشرة من عمري ثم في عام 1951 قدمت "شاطئ الغرام" مع ليلي مراد وحسين صدقي وأعقبه "ورد الغرام" و"الدم يحن" و"بين الأطلال" و"العملاق" و"لا تطفئ الشمس" و"المتمردة" وغيرها.. ولكني أعود وأقول إن حماسي للمسرح كان وراء عدم الاستمرار في السينما.
< كثيرا ما يضع النقاد "حقبة السبعينيات الفنية" في قفص الاتهام كيف تجدين ذلك؟ - قلت في هذه الفترة مقولتي الشهيرة إن الكاتب يكتب ووراءه خمسة عساكر يراقبونه.. وبرغم ذلك قدمت نماذج راقية من المسرح مثل "يا سلام سلم" لسعدوهبة وإخراج نبيل الألفي عام 1970 و"8 ستات" إخراج جلال الشرقاوي عام 1977 و"الاستاذ" اخراج جميل راتب 1978 و"سهرة مع الحكومة" 1979 و"سيادة المحافظ علي الهواء" 1980 والمؤسف أن الرقابة خنقتنا في السبعينيات وأفسدت الكثير من العروض ومنعت استمرارها مثل عرض "اسطبل عنتر" عام 1973.
أنت أول من قدمت مسرح "برنولد بريخت" في مصر؟
- برنولد بريخت له طبيعة خاصة ومسرحه سياسي رمزي مقاوم ومهم وأنا قدمت أهم أعماله وآخرها منذ ثلاثة أعوام بعنوان "الشبكة" ولكن النقاد دائما يتوقفون عند رائعته "دائرة الطباشير القوقازية" وقدمت من المسرح العالمي أيضا فيدرا والبخيل وانطونيو وكليوباترا والمتحذلقات واجامنون والكترا وانتيجون وغيرها.
وماذاعن مسرحنا اليوم.. من تتوقفين عنده بتقدير؟
- مسرح محمد صبحي أحبه جدا فهو يمتلك المتعة والفكر والسياسة داخل مسرحه وهو يحترم عقول الجماهير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق