تميز العام 2011 بالمليونيات الاحتجاجية، التى نظمتها قوى ثورية وسياسية وشعبية عقب سقوط النظام، للمطالبة باستكمال مبادئ الثورة فى 25 من يناير، والقصاص لدماء الشهداء، ومحاكمة رموز النظام السابق، وقد كانت تلك المليونيات بحق تجسيداً للصراعات بين القوى السياسية، القديمة منها والشبابية، فقد شهدت بدايات المليونيات صعوداً لشباب الثورة والتيارات والحركات التابعة لهم، لكنها سرعان ما تراجعت كثيرا، مفسحة المجال لصعود التيارات الإسلامية، التى كثيرا ما كانت لها اليد العليا فى الإقبال على الميدان، بإعلان مشاركتهم أو الامتناع عنها، فقدرتهم على الحشد معروفة، واتباع التيارات الدينية وبخاصة السلفية فى مصر لا حصر لهم، وقد وجهت اتهامات لهم بمحاباة العسكرى، والحرص على مصالحهم السياسية أكثر من المطالب الشعبية، فى حين خفتت القوى الليبرالية منذ قيام الثورة، وضعف تأثيرها، وكاد تيار اليسار أن يختفى، رغم المشاركات الفردية الفعالة التى بدأت منذ قيام الثورة، وكذلك التيار الناصرى، أما الأفراد غير المسيسين فكانوا حاضرين دائما، ينتفضون ضد الفساد، والتوزيع غير العادل للأجور، ودماء الشهداء، والبطء غير المبرر فى محاكمة الفاسدين، وأحيانا فى سبيل الصليب المضطهد، أو تطبيقا لشرع الله.
يناير.. الغضب و الثورة
الباحث السياسى الراحل حسام تمام قال عن الإخوان إنهم جزء من الثورة، لكنهم لم يكونوا فى طليعتها، وهو ما اتضح فى تردّدهم فى بيان موقفهم من تظاهرة الثلاثاء 25 يناير، بل كان هناك قلق وترقُّـب لديهم من المشاركة وأكدت الجماعة عدم الانسياق وراء الخطاب الثورى للشباب، خاصة فيما يتعلق بالإساءة إلى الرئيس مبارك، ولم يتغير موقفهم إلا بعد نجاح تظاهرات جمعة الغضب.
كان يوم الغضب الموافق 28 من يناير هو بداية الثورة المصرية التى أدت إلى إسقاط النظام، وقد بدا الشعب المصرى فى هذا اليوم متماسكا، تحقيقا للمقولات التى تتحدث عن الوحدة والنسيج الواحد، فقد توافق يومها الشعب على إسقاط النظام، واختفت تماما اللافتات السياسية الأخرى، كما توحدت المطالب على نداء الثورة الشهير «عيش حرية كرامة إنسانية»، ورغم إعلان كل من الإخوان والتجمع والوفد عدم مشاركة القيادات رسميا، وإتاحة الحرية للأعضاء للمشاركة، كذلك إعلان الحركة السلفية رفضها المشاركة فى جمعة الغضب، لرفضهم مبدأ الخروج على الحاكم من الأساس، إلا أن جميع التيارات كانت حاضرة، وانتهى يوم الغضب بإعلان اعتصام مفتوح بميدان التحرير لحين إسقاط النظام.
فبراير.. التنحى و النصر
اعلن اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق خطاب تنحى مبارك وجاء فى نص الخطاب: أيها المواطنون فى هذه الظروف العصيبة التى تمر بها البلاد قرر رئيس الجمهورية الرئيس محمد حسنى مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد والله الموفق والمستعان».
وكان الميدان منذ بداية شهر فبراير وحتى خلع الرئيس السابق فى الـ11 من نفس الشهر مثالا يؤكد على أن الشعب حين يلتف حول قضية كبرى تذوب فيه الخلافات السياسية، والطوائف الدينية، وتنتفى أسباب الصراعات، وقد كانت كل التيارات السياسية خلال فترة الاعتصام تلعب أدوارا مهمة ومتضامنة، فيرجع الفضل إلى أفراد من الإخوان المسلمين فى توفير الأدوية والأغذية اللازمة لفترات الاعتصام، فى حين نجحت قوى اليسار فى حشد قطاعات من العمال إلى الميدان، إضافة إلى تحرير نشرات دورية عن أخبار الميدان، واهتم الليبراليون بالتواصل مع المنظمات العالمية، لإطلاعهم على الوضع داخل مصر، وتكوين رأى عام خارجى للضغط على النظام السابق، وبدأت الحركات الشبابية التى كونها شباب شاركوا فى الثورة فى الازدهار، أما الالتراس فقد ظهروا لأول مرة خارج ملاعب الكرة، واهتموا بتأمين الميدان، ولا احد ينكر الدور المهم الذى لعبه مقرا الحزب الناصرى وحزب التجمع فى دعم الميدان، وفى الـ18 من شهر فبراير دعا شباب الثورة إلى مليونية باسم جمعة النصر، طالبوا فيها بمحاسبة جميع رموز النظام الفاسد والإفراج عن المعتقلين, وإلغاء الطوارئ, وحل الحزب الوطنى وأمن الدولة.
مارس.. الشرعية الثورية
فى جمعة 4 مارس ذهب شرف إلى ميدان التحرير قائلا للثوار: الرسالة الأولى اعتذار لأنى لم أصل معكم والرسالة الثانية من الإخوة فى الشرطة العسكرية لأنهم زعلانين ليكونوا زقوا حد منكم.. وهنا هتف المتظاهرون «الجيش والشعب إيد واحدة» ووجه شرف رسالة تحية لدماء الشهداء ولأهلهم ولآلام المصابين.
خلال شهر مارس، أكد المصريون فى ميدان التحرير نفس المطالب الشعبية السابقة، وقد شهد هذا الشهر تعيين أول حكومة ثورية باسم حكومة الإنقاذ الوطنى، برئاسة دكتور عصام شرف، الذى اختار الذهاب إلى الميدان، إيمانا منه بالشرعية الثورية التى تلغى جميع الشرعيات الأخرى، كما هو الحال فى ثورات الشعوب الكبرى، ورغم عدم توفيق شرف فى مهمته، إلا أن مشهد شرف فى الميدان لا يمكن أن ينسى، فهو أول مسؤول يستمد شرعيته من الشارع، بعد ثلاثين عاما من تزوير الإرادة الشعبية وتجريف الحياة السياسية.
أبريل.. المحاكمات والتطهير
أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة مرسوم قانون إفساد الحياة السياسية فى 21 نوفمبر الماضى.
فى الثامن من شهر أبريل دعت القوى الثورية إلى جمعة التطهير والمحاكمات، للمطالبة بسرعة المحاكمات لرموز النظام الفاسد وتطبيق العزل السياسى على أعضاء الحزب الوطنى المنحل، وقد استجابت كل القوى السياسية لدعوة المليونية، لكن الخلافات سرعان ما دبت بين عدد من التيارات عقب انتهاء المليونية حول الاعتصام فى الميدان، وخاصة الدعوة السلفية، التى شاركت فى المليونية لكنها رفضت الاستمرار فى اعتصام مفتوح، وأكدت فى بيان لها أنها مع محاكمة رموز الفساد، لكنها ضد المطالبات بتنحى المجلس العسكرى، وجاء فى البيان «دعا هؤلاء إلى مظاهرة سلمية مليونية للمطالبة بجملة مِن المطالب المشروعة، واستجابت الأطياف المكوِّنة للثورة «وبخاصة الإسلاميين» لهذه النداءات؛ رافضين المطالبة بتنحى المجلس العسكرى وإنشاء مجلس رئاسى غير منتخب، وأن تتحول المظاهرة إلى اعتصام؛ حتى لا تضر بمصالح الوطن».
مايو.. الثورة الثانية
أعلنت اللجنة العليا للانتخابات نتيجة الاستفتاء كالآتى: عدد المشاركين فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية %41.2 ممن تنطبق عليهم شروط التصويت، وعدد من قالوا نعم %77.2، وعدد من قالوا لا %22.8.
لا يمكن أن يكون الفاصل بين ثورتين شعبيتين فى مصر هو خمسة أشهر فقط، حتى لو حشد الإسلاميون للتصويت بنعم للتعديلات الدستورية، لعودة الاستقرار، الأمر الذى أغضب القوى الثورية، التى باتت ترى أن سقوط دستور 71 لا خلاف عليه، فهكذا حال جميع الثورات، فى المقابل رفض عدد من القوى الإسلامية المشاركة فى جمعة الثورة الثانية، التى وافقت 27 من مايو، وأعلنت جماعة الإخوان أنها ترفض المشاركة فى المليونية، وتعتبرها ثورة على الثورة، مؤكدا فى بيان لها، «أن الشعب قال كلمته فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وحيث إنه لا يوجد أى خلاف حقيقى حول المبادئ الدستورية الواضحة والقواعد الحاكمة التى هى محل توافق كبير بين الشعب المصرى، الذى يجب أن تكون له الكلمة العليا فى إعداد الدستور.
يونيو.. العمل
بدأت أولى جلسات المحاكمة يوم الأربعاء 3 أغسطس فى أكاديمية الشرطة، بالإضافة إلى محاكمة وزير الداخلية السابق حبيب العادلى»
فى شهر يونيو دعا عدد من القوى السياسية لتبنى جمعة العمل، وفى نهاية نفس الشهر حدثت مواجهات بين عدد من شباب الثورة وقوات الأمن، بعد تعرض أهالى الشهداء لاعتداء أمام مسرح البالون، وقد تلى تلك الأحداث دعوة القوى الثورية لجمعة القصاص للشهداء، وذلك فى أول أيام شهر يوليو، وقد حددت القوى الثورية المشارِكة فى المليونية مطالبها فى تحديد حد أدنى للأجور 1200 جنيه، وحد أقصى للأجور، مع مراقبة الأسعار حتى تتوافق مع محدودى الدخل، ومحاكمات علنية وسريعة لمبارك وأولاده ووزرائه وكل من أفسدوا علينا الحياة السياسية وتكريم الشهداء وأسرهم، وسرعة محاكمة قتلة الشهداء وتكريم المصابين وعلاجهم على نفقة الدولة وتعويضهم وحرمان أعضاء الحزب الوطنى المنحل من حق الممارسة السياسية لمدة 5 سنوات على الأقل وتفعيل قانون الغدر والإفراج الفورى عن كل المعتقلين السياسيين، فى حين أعلن حزب الوفد وجماعة الإخوان المسلمين مقاطعتهم، بدعوى عدم فعاليات المليونيات المتعاقبة، التى أصبحت موضة، وقد أرجع محللون ذلك الامتناع، بسبب استعداد تلك القوى لخوض الانتخابات.
يوليو.. القصاص
بدأت أولى جلسات المحاكمة يوم الأربعاء 3 أغسطس فى أكاديمية الشرطة، بالإضافة إلى محاكمة وزير الداخلية السابق حبيب العادلى»
فى شهر يونيو دعا عدد من القوى السياسية لتبنى جمعة العمل، وفى نهاية نفس الشهر حدثت مواجهات بين عدد من شباب الثورة وقوات الأمن، بعد تعرض أهالى الشهداء لاعتداء أمام مسرح البالون، وقد تلى تلك الأحداث دعوة القوى الثورية لجمعة القصاص للشهداء، وذلك فى أول أيام شهر يوليو، وقد حددت القوى الثورية المشارِكة فى المليونية مطالبها فى تحديد حد أدنى للأجور 1200 جنيه، وحد أقصى للأجور، مع مراقبة الأسعار حتى تتوافق مع محدودى الدخل، ومحاكمات علنية وسريعة لمبارك وأولاده ووزرائه وكل من أفسدوا علينا الحياة السياسية وتكريم الشهداء وأسرهم، وسرعة محاكمة قتلة الشهداء وتكريم المصابين وعلاجهم على نفقة الدولة وتعويضهم وحرمان أعضاء الحزب الوطنى المنحل من حق الممارسة السياسية لمدة 5 سنوات على الأقل وتفعيل قانون الغدر والإفراج الفورى عن كل المعتقلين السياسيين، فى حين أعلن حزب الوفد وجماعة الإخوان المسلمين مقاطعتهم، بدعوى عدم فعاليات المليونيات المتعاقبة، التى أصبحت موضة، وقد أرجع محللون ذلك الامتناع، بسبب استعداد تلك القوى لخوض الانتخابات.
أغسطس.. الإسلاميون أولاً
اعترضت القوى الإسلامية وخصوصاً الإخوان والسلفيين على المبادئ بحجة أنها محاولة لإقصاء الشعب والتفاف على استفتاء الدستور فى مارس الماضى.
فى أكبر تجمع لقوى التيار الإسلامى بمصر احتشد نحو مليونى شخص فى ميدان التحرير وعدد من المدن المصرية الأخرى للمشاركة فيما سمى بجمعة توحيد المطلب، بتاريخ 8 أغسطس، وذلك اعتراضا على المبادئ فوق الدستورية، التى أعلنها المجلس العسكرى، ذلك فى حين انسحبت حركة كفاية و«6 أبريل»، وحزب التجمع، والعديد من الحركات، وقد شهدت تلك الجمعة تأكيدا على صعود الإسلاميين، وقدرتهم على الحشد فى وقت كثير، من جميع محافظات مصر، وقد تبع تلك المليونية مليونية أخرى فى نفس الشهر، حملت اسم الدستور أولا، لكنها سرعان ما غيرت الاسم إلى الثورة أولا، بعد اعتراض الإسلاميين، ورفضهم للمشاركة.
سبتمبر.. التصحيح
وقعت اشتباكات عديدة بين الثوار والباعة الجائلين مما دفع البعض لتنظيم حملة على فيس بوك لمقاطعة أى بائع فى الميدان.
خلال شهرى سبتمبر وأكتوبر قلت المليونيات كثيرا، وكانت كل جمعة يتم الدعوة إليها من قبل القوى السياسية تتحول إلى حالة احتفالية، وتنتهى دائما بخلافات واتهامات متبادلة، مع ظهور غير مسبوق للباعة الجائلين، مع غياب متكرر للقوى الإسلامية، ومشاركة رمزية للأحزاب الليبرالية استعدادا لموسم الانتخابات، وقد أخلى الجيش اعتصام الميدان فى أول أيام شهر رمضان الماضى، وسيطر على الصينية لأيام تالية، وبدا أن المجلس العسكرى يحاول السيطرة على الحالة الأمنية فى البلاد، قبل بدء أولى الجولات الانتخابية.
أكتوبر.. الانتخابات
عقب الأحداث الدامية التى شهدها شارع محمد محمود ، والتى راح ضحيتها عشرات الشهداء، وفقد على أثرها عشرات الشباب عيونهم، بسبب قناصة تابعين للداخلية، قرر عدد من القوى السياسية تنظيم مليونية أخرى، أطلق عليها اسم جمعة الفرصة الأخيرة، وقد رفض الإخوان وحزب الوفد المشاركة، بسبب تأكيد تلك المليونيات على وضع العسكرى مهلة نهائية لتسليم السلطة لمجلس انتقالى مدنى، وقد شهدت تلك المليونية اختفاء للافتات والمنصات، فقد وحدت الدماء الطاهرة لشهداء جميع القوى السياسية، كما شارك العديد من اتباع التيار السلفى، وكذلك شباب الإخوان، وكان الميدان يومها أشبه بالميدان خلال الاعتصام الذى سبق إسقاط النظام.
نوفمبر..الفرصة الأخيرة
فى آخر مليونيات هذا العام أعلن الإخوان وحزب الوفد رفضه للمشاركة فى جمعة رد الشرف، التى دعا إليها مجموعة من النشطاء، ردا على سحل الفتيات خلال أحداث مجلس الوزراء، وتأكيدا على ضرورة سرعة تسليم المجلس العسكرى الحكم لسلطة مدنية متوافق عليها، وقد شهدت تلك المليونية مفارقة، فقد أعلن حزب النور السلفى مشاركته فى المليونية فى اللحظة الأخيرة، فى الوقت الذى راح فيه رموز التيار السلفى يتندرون على الفتيات المسحولات، ويشككون فى صدق الصور والكليبات، وقد بدت مشاركة حزب النور فى تلك المليونية كنوع من التكفير عن الذنب، ومحاولة للانضمام لصفوف الشعب، وطلب الشرعية من الميدان مرة أخرى.
معلومة: وصل عدد القتلى 40 حالة و1500 مصاب
ديسمبر..الحرائر
كان مشهد تعرية إحدى الفتيات وضربها من قبل أفراد فى الشرطة العسكرية هو الأسوأ فى تاريخ العسكر منذ بداية الثورة.
فى آخر مليونيات هذا العام أعلن الإخوان وحزب الوفد رفضه للمشاركة فى جمعة رد الشرف، التى دعا إليها مجموعة من النشطاء، ردا على سحل الفتيات خلال أحداث مجلس الوزراء، وتأكيدا على ضرورة سرعة تسليم المجلس العسكرى الحكم لسلطة مدنية متوافق عليها، وقد شهدت تلك المليونية مفارقة، فقد أعلن حزب النور السلفى مشاركته فى المليونية فى اللحظة الأخيرة، فى الوقت الذى راح فيه رموز التيار السلفى يتندرون على الفتيات المسحولات، ويشككون فى صدق الصور والكليبات، وقد بدت مشاركة حزب النور فى تلك المليونية كنوع من التكفير عن الذنب، ومحاولة للانضمام لصفوف الشعب، وطلب الشرعية من الميدان مرة أخرى.
المصدر : طريق الأخبار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق