كثيراً ما يبحث الانسان عن جذوره كرد فعل غريزي لمشاعر الحنين التي تنتاب الانسان لكثير مما تحمله ذكرياته عن ماضٍ يراه دائماً اجمل، وفكرة البحث في الجذور قد تكون رغبة كامنة في معرفة الغيب الذي لا يستطيع الانسان ان يعلم تفاصيله كما لا يستطيع استبصار المستقبل. ولكن في المجتمعات العربية يفتخر كثير من الناس باصولهم العريقة التي تمتد لأنساب شريفة او انساب ملكية او غيرها من الانساب التي توارثتها الاجيال من خلال النسابة ورواة الاخبار ولم تذب لحرص العرب علي جذورهم الضاربة في القدم. وفيلم »المسافر« لا يختلف فيما حاول التعبير عنه علي استحياء عن فيلم "سلطة بلدي" للمخرجة نادية كامل التي اختارت ان تقدم رؤية تسجيلية لأصول عائلتها المصرية التي اكتشفت جذورها اليهودية واصرت ان تؤرخ لها من خلال "سلطه بلدي" فقامت الدنيا ولم تقعد وواجهت اتهامات مجانية بالتطبيع مع اسرائيل وهو الاتهام الذي اصبح سلعة رائجة في ميدان الاعلام. ولأن مخرج فيلم »المسافر« اقل جرأة وحرفية او لأن موضوعه يحمل اساءة متعمدة او غير متعمدة لأصولنا المصرية فقد اختار البحث في الجذور من خلال عمل روائي اقل نضجا، مع الارتباك الواضح في السيناريو الذي لا تشفع له الرؤية البصرية التي ساهمت في صنعها عيون ايطالية محترفة لأن ضبابية المضمون امتدت للصورة التي لا يمكن ان تنفصل بأي حال من الاحوال عن النص السينمائي وبالتالي لا تستطيع تجاوزه. فكثير من الاوطان لا تحتفظ ببكارتها مع تعاقب الغزاة والفاتحين الذين يطأونها فتختلط ملامحهم بملامحها التي تنتهي الي شعوب متعددة الالوان. وليست مصر بمنأي عن هذه القاعدة التي لا تحمل الكثير من الاستثناءات فنحن لم نعد فراعنة ولا نستطيع نفي تأثرنا بالرومان كما لا يمكن انكار استحواذ الثقافة العربية علينا كمصريين بغض النظر عن اردية الاديان التي تختلف الوانها من شخص لآخر ولكن في النهاية الجميع صهرته بوتقة التاريخ ولا يمكن ان يمسك بجذوره او ثقافته البعيدة وهو ما حاول احمد ماهر كاتب السيناريو الضعيف تصديره من خلال فكرة اختلاط الانساب التي حاول اظهارها طوال الفيلم والتأكيد عليها كهدف رئيسي لشخصياته المرتبكة التي لا تملك مبررات قوية لأفعالها. وما يثيره سيناريو احمد ماهر لا يعبر عن اختلاط انساب العائلات بقدر ما يعبر عن اختلاط انساب الشعوب فاستخدامه لتواريخ تتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي بداية من 1948 ومروراً بـ1973 وانتهاء بعام 2001 يضع المتفرج في ازمة تلقي حقيقية خاصة مع ضبابية دلالات ماهر التي تطعن في اصولنا المصرية وتشكك في احتوائها علي جينات إسرائيلية فمع حادثة الاغتصاب الاولي لشخصية "نورا" سيرين عبدالنور التي اختار لها عام 48 او عام النكبة يظهر "حسن" خالد النبوي الشخصية الرئيسية ليغتصب ما ليس له منتحلاً صفه "فؤاد" او عمرو واكد الذي يتشابه انفه المميز مع الانف اليهودي المعقوف وهو ما قد نتجاوزه في البداية ولا نلقي له بالاً لنغوص في احداث غير مبررة كمرحلة خالد النبوي بأكملها الذي يكرر خلالها عملية الاغتصاب مرة اخري قبل ان يختفي ويظهر عمر الشريف في النهاية لنكتشف ان لهذا الانف المميز دلاله واضحة مع ظهور "علي" شريف رمزي الذي يحمل انف "فؤاد" او عمرو واكد ويحمل طباع "حسن" او عمر الشريف في المرحلة الاخيرة للشخصية ويحاول ماهر لفت انتباهنا لانف شريف رمزي مع ظهور الطبيبة بسمة التي تولي اهتماماً كبيراً بأنف شريف رمزي ليقع "حسن" في حيرة مع تشابه من يظنه حفيده لتطابق رؤيتهما للحياة وافكارهما واختلاف انف الحفيد عن انف الجد وتطابقها مع انف "فؤاد" او عمرو واكد ولكن الطبيبة تحسمها بالتأكيد علي ان الجد لا يمكن ان يمنح حفيده مثل هذه الانف وبعد محاولة حسن التمسك بعلي وإقناعه بإجراء عملية جراحية لتعديل شكل انفه يتراجع في اللحظة الاخيرة ليترك هذا الانف علي حاله في تعبير واضح عن رفضه لتزييف شخصية الحفيد الذي يهجره في النهاية لأنه يستشعر اختلافه معه ليكتسب "حسن" جرأة لم تكن له ويقفز في النيل ويختتم العمل بتشكيك اخير في نسب ابناء سيدة تستقل الاتوبيس النهري في مشهد ختامي هو الاكثر مباشرة حتي يتلقي الجمهور قشور الرسالة التي قد يختلفون معها ولكنهم سيجدون فيها ما يتلاقي مع واقعهم الذي يذخر بكثير من الوقائع التي تؤكد انتشار هذه الظاهره ولكن كثيرا منهم لن يتصور ان الفيلم يؤكد ان المواطن المصري المعاصر لا ينتمي لمصر بقدر ما ينتمي لمن هجرها من اليهود وهو المعني الذي يضعنا في مأزق لا يتمثل في خلط الدماء العربية باليهودية لأنه امر لا يمكن منعه او اعتباره كأن لم يكن خاصه ان العداء المصري لا يستهدف اليهودية كديانة سماوية بقدر ما ينصب علي الصهيونية ودمويتها ولكن اختيار التواريخ تجعل الصراع في العمل سياسياً ويصب في صالح تعاطف المتفرج مع اصحاب الانف المعقوف او اصحاب الحق الشرعي في الانثي الوطن مع شرعية علاقتها بعمرو واكد من وجهة نظر المخرج الذي لا يمكن انكار بدايته الموفقة كمخرج مبتدئ في اولي تجاربه الروائية ولكن يمكن الطعن في موهبته كسيناريست لا يملك حرفية السرد السينمائي وتقديمه لعمل تختلط فيها الفنتازيا بالشكل الملحمي لتنجب طفلاً مشوهاً لا ينتمي لاي منهما. ورغم احترامنا لرؤية المؤلف وحريته في الابداع الا ان بناء السيناريو يدلل علي عدم موهبته ككاتب وهو ما يمنحنا الجرأة للتصدي لإعادة مونتاج الفيلم الذي عدله المخرج بالفعل بضغوط من بطله عمر الشريف بعد عرضه في مهرجان ڤينيسيا ولكن نسخته في مهرجان الاسكندرية لا تبدو افضل حالا من النسخة الاولي لان الفيلم لا يتحمل وجود مرحلتي خالد النبوي الاكثر مللاً وهو ما يمنحنا حق الوصاية علي العمل باعتباره من انتاج وزارة الثقافة التي تسرعت في منح الدعم لمخرج غير مؤهل لتحمل مسئولية فيلم بهذا الحجم رغم جرأة الموضوع الذي يحمله فالفيلم يجب ان يبدأ من نهايته وقد تتضح ملامحه في حالة بدايته من الثلث الاخير مع ظهور الحفيد والجد واذا ما امعنا النظر في مرحلة النبوي سنجد ان ما نحتاجه منها لا يزيد علي فلاش باك قصير يقدم ما يحتاجه المتفرج من معلومات عن دوافع الحفيد للبحث عن الجد ولا يمكن ان يري اي كاتب سيناريو محترف مخرجاً اخر لفيلم »المسافر« من حالة المط التي لا تليق إلا بسهرة تليفزيونية طويله كما ان الشخصيات كانت اقرب الي الواقع في الثلث الاخير من الفيلم خاصة شخصية عمر الشريف التي اضفت الكثير من البهجة علي الشاشة بحضوره الآخاذ وبساطته اللافتة كما يأتي اداء شريف رمزي متوازنا الي حد كبير مع وعيه بمفردات وروح الشخصية التي يجسدها ولكن سيرين عبدالنور التي يعتبر المسافر اطلالتها الاولي علي جمهور السينما فلم توفق في كثير من مشاهدها المحدودة وتضاربت ردود افعالها وهو ما يحاسب عليه المخرج الذي دفعها دفعاً في خضم شخصية بلا ملامح أنبتت شخصية لا تختلف عنها في الخواء الذي تحمله ملامحها ولا يمكن ان نغفل مشاركة بسمة ومحمد شومان اصحاب الاداء المحايد ولكنه اداء بلا وعي اما بالنسبه لخالد النبوي فهو ممثل موهوب وتم توظيفه بشكل جيد في كثير من الاعمال السابقة ولكنه هنا ضحية مخرج منحه اكثر الاجزاء اقحاما علي السيناريو وكما قلنا إن حذف معظم مشاهده لن تؤثر في الفيلم وبالتالي لا يمكن ان نفكر في محاسن ما هو سيئ، فأزمة النبوي كممثل انه لا يستطيع العمل بدون توجيهات مخرج ونص جيد ولكن مع ارتباك النص وغياب دور المخرج الذي اهتم بالصورة اكثر من اهتمامه بالممثل لم يجد النبوي بداً من تقليد طريقة عمر الشريف بشكل بدا هزلياً خاصة في مرحلته الثانية رغم ان النبوي يملك ما هو افضل من ذلك ورغم ان الشخصية تغيرت كثيراً في مراحلها المختلفة بحكم الزمن. وفي النهاية المسافر تجربة قد لا تغيب عن تاريخ السينما باعتبارها اكثر تجارب الدولة إخفاقاً في الانتاج السينمائي واهداراً للمال العام الذي يمنحه وزير زهرة الخشخاش للمقربين لأنه لا يجد من يحاسبه علي جرائمه في حق السينما والثقافة المصرية.
موضوعات ساخنة :
*ننفرد بنشر مذكرة حفظ تحقيقات نيابة الأموال العامة فى قضية «مدينتى» ..
* مصطفى بكري : نجل مستشار مجلس الوزراء حصل علي 16 حقنة للحوامل.. وواحدة تكفي ... اضغط هنا* لأول مرة .. استبعاد البحر من موسم الحج ...اضغط هنا
* السجن 15 عاما لـ هشام طلعت و28 للسكري بقضية مقتل سوزان تميم ... اضغط هنا
* كواليس جلسة الاستئناف في قضية مقتل سوزان تميم ... اضغط هنا
* هشام طلعت يحكى تفاصيل علاقته بـ سوزان تميم لأول مرة.. اضغط هنا
* بالصور .. بكاء احمد السقا في جنازة والده.. اضغط هنا
* "اليورومنى" تحول إلى "مكلمة" للوزراء وفرصة للشركات الخاصة.. والسؤال: ماذا يستفيد الاقتصاد القومى؟ ... اضغط هنا
* مفيد شهاب : ليس معنى أن الأغلبية مسلمة أن نحكم بـ الشريعة الإسلامية.. اضغط هنا
* الأزهر يعلن ارتياحه لاعتذار البابا شنودة .. محاكمة رمزية لـ الأنبا بيشوى فى الكاتدرائية .. اضغط هنا
* وزير التعليم يعلن استسلام دور النشر فى معركة الكتب الخارجية .. اضغط هنا
* حبيب العادلى : سانصف من يتعرض للاهانة من رجل الشرطة.. اضغط هنا
* مشادات بين محامي هشام طلعت ورئيس جنايات القاهرة بسبب طلب سماع شهود جدد ... اضغط هنا
* المجتمعات العمرانية تلغي عقد مدينتي و تعيد التخصيص لـ طلعت مصطفى.. اضغط هنا
* مساع قبطية لاحتواء فتنة بيشوي ... اضغط هنا
* الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس أساء لـ القرآن الكريم فى محاضرة رسمية .. اضغط هنا
* استمرار غياب عمرو أديب بعد غلق استوديوهات "الأوربت.. اضغط هنا
* عالم أردني يدعو للبحث الدقيق عن موقع هيكل سليمان بعيدا عن فلسطين.. اضغط هنا
* االكويت تطالب الانتربول باحضار المسىء لـ السيدة عائشة ومحاكمته.. اضغط هنا
* آخر صيحة.. كتب خارجية هوم دليفري .. اضغط هنا
* شباب مصر ... ثروة لم تستغل ! ... اضغط هنا
* عدادات كهرباء مسبقة الدفع بـ القاهرة .. اضغط هنا
* القس تيري جونز مجنون أم متسلط أم غاوي شهرة !... اضغط هنا
* مشروع قانون لـ الأحوال الشخصية ... تمتع الزوجة المتزوجة عرفياً بكافة الحقوق ... اضغط هنا
* ويكيليكس ينوي نشر وثائق سرية عن حرب العراق .. اضغط هنا
* شباب مصر ... ثروة لم تستغل ! .. اضغط هنا
* مفاجآت و حكايات في جريمة المذيع "ايهاب صلاح" قاتل زوجته .. اضغط هنا
* تامر هجرس : مراتي "مٌزَّة " ولازم أفرجها للجمهور علشان يعرفوا إني عرفت أختار !! ... اضغط هنا
* "المصريين أهمه" تفتح ملف أوجاع الأغنية الوطنية ... اضغط هنا
* المفتي : ليس للزوج حق في راتب زوجته ... اضغط هنا
* انتقادات شديدة لـ "الجماعة" بسبب سخريته من عمرو خالد .. اضغط هنا
المشاركات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق