الجمعة، 19 أبريل 2013

تناقض التوجهات بين مصر وروسيا يطرح السؤال: ماذا يريد مرسى من بوتين؟.. الرئيس المصرى سيطلب من موسكو قرضا بمليارى دولار وإمداد مصر بالغاز والقمح.. ومصادر: روسيا لم تعد الجمعية الخيرية السوفيتية السابقة



الرئيس محمد مرسى

تناقض التوجهات بين مصر وروسيا يطرح السؤال: ماذا يريد مرسى من بوتين؟.. الرئيس المصرى سيطلب من موسكو قرضا بمليارى دولار وإمداد مصر بالغاز والقمح.. ومصادر: روسيا لم تعد الجمعية الخيرية السوفيتية السابقة



تثير الزيارة التى يقوم بها الرئيس محمد مرسى لروسيا اليوم أسئلة كثيرة حول أسبابها والأهداف المبتغاة من ورائها، خاصة أن العلاقات المصرية - الروسية فى الوقت الحاضر، وإن لم تكن سيئة، إلا أنها ليست فى أفضل أحوالها، حيث يوجد تباين واضح وتناقض فى التوجهات والمواقف السياسية بين الكرملين فى موسكو ونظام حكم الإخوان فى مصر، وذلك فى مختلف القضايا، حيث تتعامل موسكو بتحفظ وحذر شديد مع أحداث «الربيع العربى» منذ انطلاق الثورات فى تونس ومصر، مرورا بليبيا ووصولا لسوريا، خاصة مع الصعود الواضح لتيار الإسلام السياسى، وكانت موسكو قد حذرت منذ البداية من أن هناك جهات دولية تسعى لفرض تيارات وجماعات الإسلام السياسى على الحراك الشعبى العربى باعتبارها الأكثر قربا وولاء لها، وما زال الروس على عقيدتهم هذه التى أثبت تطور الأحداث فى مصر وتونس وليبيا وسوريا صحتها بشكل كبير.

لقد التقى الرئيس مرسى نظيره الروسى بوتين على هامش منتدى قمة دول مجموعة «بريكس» فى مدينة دوربان فى جنوب أفريقيا فى 26 مارس الماضى، هذه القمة التى صور الإخوان دعوة مصر لها وكأنها تقدير كبير لمكانتها وللنظام الحاكم فيها الآن، لدرجة أن الرئيس مرسى صرح قبل توجهه لجنوب أفريقيا بأنه سيطرح على هذه القمة طلب انضمام مصر لمجموعة «بريكس» التى تضم أكبر خمسة اقتصادات نامية فى العالم هى روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا اللاتى يدخلن ضمن مجموعة أكبر عشرين اقتصاد فى العالم، بينما يأتى ترتيب مصر الآن عالميا بعد المائة، وقال الرئيس مرسى إن اسم المجموعة سيتغير بعد انضمام مصر لتصبح «إبريكس» بإضافة إيجيبت، والواقع أن هذا الأمر لم يطرح على الإطلاق على القمة، ولا فى لقاء مرسى وبوتين، والواقع أن قمة «بريكس» فى دوربان دعا لحضورها رؤساء أكثر من عشر دولة أفريقية منها إثيوبيا وتشاد وكوت دفوار وأوغندا والسنغال وغيرها، حيث دعت القمة ممثلين لمجموعات اقتصادية جغرافية فى القارة الأفريقية، وحتى المجموعة التى تنتمى إليها مصر وهى مجموعة دول الشراكة الجديدة «النيباد» يرأسها حاليا الرئيس السنغالى ماكى سال، وقد التقى بوتين عدة رؤساء ممن حضروا القمة فى لقاءات ثنائية، وليس الرئيس المصرى فقط، وفى هذا الإطار كان لقاء الرئيسين الروسى والمصرى والذى وجه فيه بوتين الدعوة لمرسى لزيارة روسيا، «ولم تكذب الرئاسة المصرية الخبر»، فبادرت بعد أيام قليلة بإرسال ممثل الرئيس للشؤون الخارجية عصام الحداد لموسكو لترتيب أمور الزيارة، وصرح الحداد بعد عودته من موسكو بأنه تفاوض مع الروس على «اتفاقات لاستيراد الخبرة الروسية لتحديث الصناعات الاستراتيجية، وحول تعاون فى مجال الطاقة يتناول تطوير العلاقات الثنائية فى مجالات النفط والغاز وتوليد الطاقة من المصادر التقليدية والجديدة والمتجددة، والتنقيب واستخراج المعادن، ومشاركة الشركات الروسية فى مشروعات السكك الحديدية والمترو، وبناء صوامع تخزين القمح، وإعادة تأهيل وتحديث الصناعات الاستراتيجية التى نفذها الاتحاد السوفيتى فى مصر مثل مجمع الحديد والصلب ومجمع الألومنيوم وفحم الكوك وتوربينات السد العالى لتوليد الكهرباء»، أشياء كثيرة قالها الحداد تشعر معها وكأن العلاقات بين البلدين ستعود لما كانت عليه فى الستينيات من القرن الماضى.

ما تقوله الرئاسة المصرية حول أهداف الزيارة يحتمل شكوكا كثيرة حول صحته، حيث إن طبيعة العلاقات بين البلدين الآن لا تسمح بهذا الحجم من التعاون المشترك بينهما، والامتناع فى الواقع ليس من الجانب الروسى، فروسيا لا تمانع فى التعاون مع أية دولة فى إطار المصالح المشتركة والمتبادلة، لكن الامتناع سيكون «قسرياً وجبرياً» من الجانب المصرى بحكم توجهات السياسة الخارجية للإخوان، والمرتبطة بجهات لا تسمح بعودة روسيا للساحة المصرية ولا بأى تعاون استراتيجى بين البلدين، والمنع هنا لن يأتى فقط من واشنطن المنافس الأول لروسيا، والتى تطاردها فى كل مكان، وتسعى بجدية لتقليص وجودها الاقتصادى فى المناطق الحيوية من العالم.

الأمر إذن وراء زيارة مرسى لروسيا ليس استدعاء لروسيا لدخول السوق المصرية والعمل فى المشاريع العملاقة التى ذكرتها الرئاسة المصرية، بل الواضح والذى صرحت به جهات إعلامية روسية، أن الرئيس مرسى يأتى إلى روسيا بهدف الحصول على إمدادات من الطاقة، سواء النفط أو الغاز، وكذلك مواد غذائية، خاصة القمح الذى تستورد منه مصر سنويا نحو عشرة ملايين طن من روسيا، وذلك بالطبع بأسعار مخفضة وبديون مؤجلة أجلا بعيدا، كعادة العرب عموما فى التعامل مع روسيا سابقا، إلى جانب هذا فإن المصادر المطلعة تقول إن الرئيس المصرى سيطلب من روسيا قرضا ماليا نحو مليارين من الدولارات بشروط ميسرة، وهذه أمور لن تعترض عليها، لا واشنطن ولا قطر ولا غيرهما، بل بالعكس سيؤيدونها طالما أنها فى إطار مساعدات لا أكثر، خاصة أنه من المعروف أن روسيا الآن مع الصين أصبحتا من المقرضين الرئيسيين للدول الأخرى التى تعانى من الأزمة المالية، وفى الشهر الماضى نصح الاتحاد الأوروبى نفسه قبرص بأن تطلب قرضا من روسيا لإنقاذ وضعها المالى.
هناك رأى آخر لا يخلو من المنطق يقول إن زيارة مرسى لروسيا تستهدف إثارة واشنطن التى بدت فى الآونة الأخيرة تأخذ مواقف سلبية وتوجه انتقادات حادة لممارسات الإخوان المسلمين فى مصر، والإعلام الأمريكى الذى يشن حملة انتقادات واسعة ضد الإخوان فى مصر وينذر بسقوطهم.

أيا كانت الدوافع والأهداف من وراء زيارة الرئيس مرسى لموسكو فإن الأمور كلها تتوقف على القرار الروسى قبل أى شىء آخر، وروسيا الآن ليست هى «الجمعية الخيرية السوفيتية السابقة» التى كانت تعطى بلا حدود وبلا مقابل، كما أن تعاملات مصر مع موسكو منذ طرد الرئيس السادات للخبراء السوفيت عام 1972 وحتى لحظة سقوط نظام حسنى مبارك لا تعطى أى مؤشر ثقة فى التعامل مع مصر، ولا ننسى الوعود التى كان نظام مبارك يعطيها للشركات الروسية لبناء محطات الطاقة النووية فى مصر ثم يذهب ليعطيها شركات أخرى غربية بعطاءات أعلى بكثير من العطاءات الروسية، وحدث هذا أكثر من مرة، آخرها فى عهد حكومة نظيف عام 2010، ورغم أن حجم التبادل التجارى بين مصر وروسيا ينمو بشكل ملحوظ، ووصل إلى نحو 3.5 مليار دولار عام 2012، فإن الفضل فى ذلك يرجع للقطاع الخاص وليس للحكومة، ويلبى احتياجات السوق المصرية بنسبة تتجاوز السبعين فى المائة، كما أنه من المعروف أن السائحين الروس أصبحوا يشكلون عصب السياحة فى مصر وبنسبة تقترب من %50.

لا شك أن مصر تشكل أهمية كبيرة جدا لروسيا التى تطمح الآن لاستعادة مركزها ودورها على الساحة الدولية، لكن موسكو لا ترى أن طموحاتها مع مصر ممكن أن تتحقق فى ظل حكم الإخوان الذين يدينون بكامل الولاء والانتماء لخصوم روسيا على الساحة الدولية، ومع ذلك فليس لدى روسيا مانع فى التعاون مع مصر الآن وفى ظل حكم الإخوان، ولكن ليس بمفاهيم المساعدات الخيرية السوفيتية السابقة التى لم يعد لها وجود فى روسيا الحديثة، بل على أساس المصالح المتبادلة والمنفعة المشتركة، وإذا كانت قبرص فى أزمتها المالية قررت طرد البريطانيين من قاعدتين عسكريتين على أراضيها ومنح القاعدتين لروسيا مقابل حصولها على المساعدات المالية، وهو نفس العرض الذى عرضته أيسلندا على روسيا أيضاً عام 2010 لتحل محل القاعدة الأمريكية مقابل قرض بأربعة مليار دولار، فهل لدى مصر فى ظل حكم الإخوان ما يقدمونه لروسيا؟!

د. مغازى البدراوى
متخصص فى الشأن الروسى




المصدر اليوم السابع


-=-------------------


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق