بقدر ما كان البحث عن توثيق دقيق لقصة أول شهيد فى حرب أكتوبر بقدر ما كانت مؤثرة وحماسية, فكلما بحثنا وجدنا بطلا فى كل سلاح, حيث كان الجميع يتسابقون على التضحية بأرواحهم, مع احتفالنا اليوم بمرور 39 عاما على نصر أكتوبر، ونبدأ مع الشهيد طيار عاطف السادات الذي كان ضمن الطلعة الجوية الأولى.
"ومَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ ولَكِنَّ اللَّهَ رَمَى" آيات من كتاب الله هى آخر ما قاله النقيب طيار عاطف السادات شقيق الرئيس الراحل أنور السادات لزملائه، وطلب منهم قراءتها قبل أن ينطلقوا بطائراتهم لتنفيذ الضربة الجوية الأولى فى الثانية إلا ربع من ظهر يوم السادس من أكتوبر عام 1973، دون أن يعلم أنه سيكون أول اسم فى قائمة شهداء أكتوبر، وظلت قصة استشهاده حكاية لا يعلم تفاصيلها سوى من هاجمهم فى اللحظات الأخيرة.
ويروى لنا عمرو البنا, من المجموعة 73 ذلك الشباب الذى قرر أن يعيد تسجيل لحظات النصر بكل تفاصيلها بجهودهم الذاتية, أن اللواء أحمد كمال المنصورى سجل فى فيلم " قتلة الأشباح" حكاية عاطف, وكيف تلقى السادات الأخ الأكبر قصة استشهاده, فقد تم إبلاغه فى غرفة العمليات بأن الضربة الجوية الأولى حققت نجاحا باهرا فاق الـ95%, وأن عاطف قد استشهد, فقال دون تردد الكلمة الشهيرة "كلهم أولادى".
ولكن بعد أسبوع من العبور يروى اللواء المنصورى, أن السادات استدعى اللواء حسنى مبارك قائد القوات الجوية والعميد أبو النصر عليش قائد عاطف السادات, وكان ذلك فى قصر الطاهرة, وطلب منهم معرفة كيف استشهد عاطف, فحكى له اللواء عليش قصة الآية الكريمة التى طلب عاطف من الجميع تلاوتها, فبكى السادات بشدة وكانت دموعه نادرة... وقال مخرجا كل العواطف التى اضطر إلى كتمها خلال أيام الحرب الأولى, "عاطف أخى وحبيبى وأعز من أولادى".
أحد الجنود الإسرائيليين الذين شهدوا اللحظات الأخيرة فى حياة الشهيد عاطف السادات حكى القصة كما جرت، ليضيف بعدا آخر لواقعة استشهاد عاطف السادات.
والجندى الإسرائيلى شاهد العيان، يعمل حالياً طبيبا بمستشفى جامعة "جورج تاون" بالولايات المتحدة الأمريكية ويدعى "آيرون بن شتاين" يروى الواقعة قائلا "كان عمرى وقت الحرب عشرين عاما، وكنت مجندا بالقوات الجوية الإسرائيلية بمطار المليز فى سيناء، فى هذا اليوم كان أغلب الضباط والجنود فى إجازة عيد الغفران ولم يكن بالمطار إلا حوالى 20 فردا، وفى الثانية والربع ظهرا فوجئنا بطائرتين من طراز "سوخوى" و"ميج" تهاجمان المطار، قام الطيار الأول بمهاجمة الممرات وحظائر الطائرات ودمرها تماما، أما الطيار الثانى فأخذ يهاجم صواريخ الدفاع الجوى فى المطار وكانت من طراز "سكاى هوك" وكانت المسئولة عن حماية المطار.
وأضاف الطيار الأول انسحب بعد أن أدى مهمته، أما الثانى فقد استمر فى مهاجمة الصواريخ فى دورته الثانية، ولكوننا مدربين على أكثر من طراز من الأسلحة، أطلقت أنا وزميلى النار من مدفع مضاد للطائرات، إلا أن هذا الطيار فاجأنا بمواجهتنا بطائرته وإطلاق الرصاص من مدفعه بقدرة مدهشة على المناورة، فأصاب زميلى بإصابات بالغة بعد أن فشلنا فى إسقاطه، إلا أن زميلا آخر لى نجح فى إصابته بصاروخ محمول على الكتف فى دورته الثالثة، بعد أن دمر وشل المطار تماما.
وكما يقول "شتاين" فى روايته، فإنهم كجنود لم يكونوا على علم وقتها باندلاع الحرب، وكانت صدمتهم قوية عندما علموا أن قائد تلك الطائرة هو نفسه شقيق رئيس مصر.. ويضيف: "شعرنا لحظتها بمشاعر مختلفة وتخوفنا من انتقام مصر لمقتل شقيق الرئيس، خصوصا فى ظل حالة الارتباك التى أصابت القيادة الإسرائيلية وقتها، وأذكر أنه عندما حضر الصليب الأحمر لاستلام جثمانه الذى كان قد احترق داخل الطائرة قمنا بتأدية التحية العسكرية له احتراما لشجاعته".
يذكر أن الشهيد عاطف السادات تخرج فى الكلية الجوية عام 1968، والتحق بتشكيل طائرات السوخوى المقاتلة القاذفة، ويؤكد زملاؤه أن مهمته فى حرب أكتوبر كانت تدمير قواعد الصواريخ ومطار المليز، وأنه قبل التحرك طلب من زملائه وقائده العميد فاروق عليش قراءة آية "ومَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ ولَكِنَّ اللَّهَ رَمَى"، لينطلق مع 220 طيارا آخرين يرعبون العدو ويشلون حركته واتصالاته فى 20 دقيقة، تمهيداً لحركة أكبر من الجيش.
لم تكن تعنيه العودة بقدر ما اهتم بإتمام المهمة على أكمل وجه، وفى شهادة سابقة لقائده العميد فاروق أبو النصر عليش، وصف عاطف السادات بكلمات ثلاث "شجاع وشهم وملتزم"، مشيراً إلى أنه لم يكن يتكلم عن شقيقه رئيس الجمهورية ولم يحاول استغلال سلطة أخيه أبدا.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق