الخميس، 1 يوليو 2010

المظاهرات السوداء السينمائية !


المصدر : جريدة الجمهورية - رئيس التحرير


أحياناً تغطي الصحف بعض الأحداث وتهمل الربط بينها مع أن البحث عن علاقة بين الأخبار وبعضها يكون في احيان كثيرة أهم من الخبر نفسه وأكثر اثارة.. يوم 18 يونيو الماضي نظم تحالف جمعيات المصريين المقيمين بالولايات المتحدة مظاهرة بالملابس السوداء امام السفارة المصرية في واشنطن احتجاجا علي ما زعموا انه مصرع الشاب خالد سعيد علي يد الشرطة المصرية! وقف المتظاهرون بظهورهم أمام السفارة المصرية في حركة يفهم منها رفضهم لما تمثله الدولة المصرية من سلطات.. سواء كانت هذه السلطات دبلوماسية كالسفارة أو أمنية كالشرطة أو قضائية كالنيابة والطب الشرعي.. المتظاهرون المصريون في الولايات المتحدة اعطوا ظهورهم للسفارة المصرية تعبيراً عن رفضهم لأي سلطة من سلطات الدولة وارتدوا الملابس السوداء حداداً منهم علي وطن رأوا أنه انتهي!! في الوقت ذاته ومع اختلاف التوقيت وفي نفس اليوم 18 يونيو اصطف أيضاًَ عدد كبير من شباب المعارضة والقوي السياسية علي كورنيش الإسكندرية في منطقتي الشاطبي وسان استفانو ومحطة الرمل. أعطوا ظهورهم للمدينة وشخصت أبصارهم إلي البحر في إشارة أيضاً إلي رفض الوطن.. ارتدي المتظاهرون اللون الأسود الذي ارتداه المتظاهرون في الولايات المتحدة امام السفارة المصرية في واشنطن.. وفعلوا أيضاً نفس الشيء في بورسعيد وكرروا نفس "الوقفة" وظهورهم للمدينة ووجوههم للبحر. ألم يلحظ أحد أن التوقيت في واشنطن وبورسعيد والإسكندرية وباقي محافظات مصر كان 18 يونيو!! من غير المعقول أن تكون المظاهرات في مصر وأمريكا مصادفة وبنفس الملابس السوداء وبنفس الوقفة ضد الدولة.. انه تفكير مرتب ومخطط أن يحدث في عدة أماكن لتظهر مصر وكأن ابناءها في الداخل والخارج قرروا أن يتظاهروا ضدها في يوم واحد. والحقيقة أن طريقة التظاهر بإدارة "الظهر" للمدينة أو للسفارة مأخوذة عن رمز كراهية المدينة الذي ورد في أكثر من فيلم سينمائي أمريكي ومحلي.. فالذي يتجه إلي البحر ويشخص بانظاره إليه هو الراغب في التغيير الذي يمكن أن يأتي من المجهول أو البحر.. وهو ما ظهر مؤخراً في فيلم رسائل البحر للمخرج داود عبدالسيد. غير أن هذا المعني ظهر أول ما ظهر في الفيلم العالمي مدينة الملائكة أو City of angeles وقد سألت أحد أصدقائي المهتمين بالفن السابع فقال لي إن الفيلم يجسد فكرة رفض الحياة الأرضية ومن ثم فإن الخلاص يكون من خلال قصة حب بين فتاة بشرية "ميج رايان" وملاك "نيكولاس كيدج" الذي ظهر طوال الفيلم مرتدياً بدلة سوداء .. إنها فكرة جديدة لرفض المجتمعات وهي الاقتناع بأن التغيير سيجيء من خلال "قوة خفية".. هذه القوة الخفية "غير منظورة" وارتداؤها للسواد يرمز إلي أنها في حداد علي ما وصلت إليه أحوال الأرض.. ثم عندما يحدث المراد ويتم التغيير تنتقل البطلة إلي اللون الأسود مثل الملاك الذي أحبته أو ينتقل هو إلي اللون الآخر.. أرأيتم إلي أين وصلت القوي السياسية في سطحيتها.. مجرد نقل لأفكار الأفلام.. هؤلاء ليسوا سياسيين بقدر ما هم منجذبون إلي الفكر الأمريكي في "الإخراج" السياسي للأزمات والمشاكل.. الأمريكيون برعوا في السينما.. ومنها استعاروا ألقابا أطلقوها علي كل عملية يقومون بها.. قالوا عن تصفية عبدالناصر عسكرياً "عملية اصطياد الديك الرومي".. أطلقوا علي غزو العراق "ثعلب الصحراء".. وعلي محاصرة بن لادن في جبال أفغانستان "كمين للشبح".. ويبدو أن قوي المعارضة المصرية قررت أن تقتدي بالأسلوب الأمريكي في ارتداء اللون الأسود عند الاحتجاج.. أمس الأول حدثت مظاهرة لإرهاب جريدة "الجمهورية" وترويع العاملين فيها. في إرهاب فكري واضح لجريدة تؤمن بالسلطات في مصر ومنها سلطة القضاء والنيابة التي تعتمد قراراتها في كثير من الاحيان علي تقرير الطب الشرعي.. المظاهرة التي جاء بها معارضون إلي الرصيف المواجه "للجمهورية" استهدفت ترويع الصحفيين ليغيروا قناعاتهم ويشككوا في كل تقرير أو رواية رسمية باعتبار أن كل ما يصدر عن الدولة لا يعجب المعارضة.. المتظاهرون يريدون ممارسة "ديكتاتورية الأقلية" علينا.. يريدون فرض قانون الشارع علي المؤسسات!! الأعلي صوتاً يكون أكثر اقناعاً.. إنها دعوة لعدم الثقة في أي سلطة في مصر.. لا قضاء ولا أمن ولا أحزاب ولا حكومة.. الشارع يجب أن يحكم بكل غوغائيته وتطرفه ومصالحه وارتباط بعض القوي فيه بالخارج.. لكن هذا لن يحدث طالما أن هناك عقلاء ومستنيرين في هذا البلد فلابد أن يكون هناك "رأي" و"رأي آخر".. لن تخضع مصر لرأي لا يعترف بالشرعية ولا بالقانون ولا بالدولة.. لن يخاف الصحفيون والكتاب من إرهاب المعارضة التي تنادي بالحرية لنفسها فقط وترفض الاعتراف بأي قانون سوي ما يتفق مع مصالحها ومزاجها..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق