الأحد، 16 أكتوبر 2011

التليفزيون المصرى فى قفص الاتهام




أسقطت أحداث ماسبيرو ورقة التوت من فوق جسد التليفزيون المصرى، وبات المبنى العريق ليلته على كورنيش النيل تطارده نظرات الضيق والدهشة من تراجع أدائه الإعلامى، وتشويهه للحقائق خاصة عندما يتعلق الأمر بقضية تمس أمن الوطن، وعلاقات أبنائه من مسلمين ومسيحيين.
الإعلاميون كانوا أول من وضعوا التليفزيون المصرى فى قفص الاتهام وطالبوا بمحاسبة من تسبب فى إذاعة تلك البيانات التحريضية على المتظاهرين الأقباط، خاصة أن المذيعة رشا مجدى نفت عن نفسها تلك التهمة وأكدت أن المعلومات كانت تأتيها من مسؤول كبير.
يقول الإعلامى محمود سلطان: اللهجة التحريضية لم تكن فى التليفزيون المصرى فقط، لكنها كانت واضحة فى القنوات العربية والخاصة أيضا، لأن كل قناة كانت تتبنى وجهة نظر مختلفة عن الأخرى، لكن الفرق بينهم وبين التليفزيون المصرى أن تلك القنوات توخت الحذر فى نقل المعلومة للمشاهد.
ويضيف سلطان: الإعلام بعد الثورة مازال يتبع نفس النهج القديم وأعتقد أنه سيتغير تدريجيا، ولابد أن نعطى الإعلام الرسمى فرصة لتطوير نفسه لأن الأزمات هى التى تخلق الأخبار وتعطيها حيويتها، كما أن الاهتمام بها هو الذى يعطيها قدرها، وأعتقد أن الخطأ الذى وقعوا فيه هو أنهم لم ينقلوا الصورة فقط لكنهم حددوا العناصر وكان عليهم ألا ينحازوا لطرف دون الآخر، فالموقف كان يحتاج لإعلاميين ذوى خبرة ويعرفون ماذا يقولون.
ويشير سلطان إلى ضرورة التماس العذر للتليفزيون المصرى لأن الحدث كان صعبا فى ظل مناظر القتلى والجو المشحون بالتوتر والرعب وربما دفعهم ذلك للخروج عن السياق والإعلان عن أرقام خاطئة، موضحا أن الخطأ ليس على المذيعين الذين أذاعوا الخبر فقط بل على من كتبوه لهم.
يقول حمدى الكنيسى رئيس الإذاعة الأسبق: الإعلام لم يتقدم خطوة منذ أسقطت الثورة رأس النظام، ولم يقم بدوره المنوط به، لسعيه وراء الإثارة ونقل المعلومات المغلوطة، والتورط فى التصريحات العشوائية الخطيرة لقلة لا تمثل المجتمع المصرى، سواء من ينتمون للإسلام أو المسيحية.
ويضيف الكنيسى: ما حدث سقطة مذهلة ومخيفة فى الإعلام الرسمى الذى حاول بعد الثورة أن يتخلص من انتمائه للحكومة أو النظام السابق، ونقل المليونيات والمظاهرات لكنه فجأة تخبط وسقط وقدم صورة مغلوطة لما يجرى وخاصة أثناء أحداث ماسبيرو التى كانت قمة المأساة.
وطالب الكنيسى المسؤولين عن الإعلام بأن يتقوا الله فيما يقدمونه ويلتزموا بالرؤية الوطنية الصحيحة لأن الإثارة قاتلة والجرى وراءها يدفع إلى الجحيم، مشدداً على ضرورة أن يكون القائمين على الإعلام فى هذه الفترة الحساسة من ذوى الخبرة.
وتقول الإعلامية فريدة الشوباشى: ما حدث مهزلة بكل المقاييس وتشويه للحقيقة وتهديد لأمن ووحدة الوطن، فعندما جلست أمام التليفزيون لمتابعة التغطية الخاصة بأحداث ماسبيرو أصبت بالذهول، والمشكلة أخطر وأكبر من مسؤولية الإعلام الرسمى، بل هى مشكلة من يديرون البلاد وأعتقد أن الإعلام فى الفترة الحالية أسوأ بكثير من الماضى لأنه فى السابق كان هناك ذكاء فى إخفاء الحقائق لكن ما حدث هو غباء كاد يتسبب فى نوع من التفرقة بين المسلمين والأقباط ليكون سلاحا فى يد أعدائنا المتربصين بنا.
وتنتقد الشوباشى أداء التليفزيون المصرى وتضيف: رشا مجدى وأسامة هيكل حاولا معالجة الخطأ بخطأ آخر أكبر وكانا مثلما يقول المثل الشعبى «جه يكحلها عماها»، ولا يصح أن يقول الوزير إنها أخطأت مهنيا، فالخطأ المهنى أن تقول عبدالرسول بدلاً من عبدالرؤوف لكن ما حدث هو خطأ فى انتقاء الألفاظ والتعبير عن الحدث، وأنا حزينة وأشعر أن الإعلام الرسمى غير آمن على الثورة والوطن وكنت أعتبر أسامة هيكل شخصاً جيداً لكن يبدو أن الكرسى يغير الناس و«بيشقلب الحال».
وتقول الإعلامية نجوى إبراهيم: أعتقد أن ما حدث كان فيه نوع من التسرع، فالارتباك كان يسيطر على من بداخل مبنى ماسبيرو ومن خارجه وللآسف هناك آفة بدأت فى الإعلام الخاص وانتقلت للإعلام الحكومى وهى أن كل من يجلس على كرسى المذيع يقول رأيه فى الحدث، وهذا خطأ جسيم لأن المذيع يفترض فيه الحياد وأن يذيع المعلومة دون التدخل فيها أو تغييرها.
وتضيف نجوى: المعلومة أصبحت كقطعة الصلصال كل شخص يشكلها حسب مزاجه، كما أنه ليس مقبولاً أن نأتى بمبتدئين فى المهنة ونحملهم المسؤولية فى هذا الوقت الصعب، وأعتقد أن التضليل كان غير مقصود لكن عدم الحرفية وسوء انتقاء الألفاظ وغياب الفهم والاستعانة بأشخاص غير مدركين للأبعاد السياسية هو ما تسبب فى تلك الأخطاء الجسيمة، فكلمة واحدة تغير مجريات الأمور وتقلب دولة بأكملها وتقسم الناس إلى فرق.
وتؤكد أمينة صبرى، الرئيس السابق لإذاعة صوت العرب، أن الوضع مرتبك فى مصر كلها وليس فى الإعلام فقط، مشيرة إلى رغبتها فى معرفة من كتب تلك البيانات التى تفتقد المهنية والوطنية لأن تلك البيانات حتى لو كانت حقيقية يجب ألا تذاع.
وتضيف أمينة: التغطية الرسمية لم تكن على المستوى وأحدثت حالة هياج واحتقان وأنا شخصيا أعرف بعض الأقباط الذين كانوا يشعرون بالخوف ولا يخرجون من منازلهم بسبب تلك المعلومات المغلوطة، فضلا عن أن من أكبر الأخطاء بث تلك الأحداث على الهواء مباشرة لأن هناك أموراً يجب ألا يتبع فيها هذا الأسلوب.
ويشدد الدكتور سامى الشريف، رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون السابق، على أن التغطية الإعلامية لأحداث ماسبيرو لم تكن على المستوى المطلوب من جانب تليفزيون الدولة مطالبا بتقييم الموضوع بشكل جاد.
ويقول الشريف: الجانب الإيجابى فى التغطية أن التليفزيون المصرى نقل الأحداث فور وقوعها وتناقلته عنه الفضائيات أما الجانب السلبى فهو إلقاء اللوم مباشرة على المتظاهرين الأقباط دون تقصى الحقيقة كما أن شريط الأخبار أسفل الشاشة كان يحوى اتهامات للأقباط من شأنها إحداث نوع من تهييج الرأى العام ضد المتظاهرين الذين تم تحميلهم الخطأ كله دون الإشارة للخسائر التى لحقت بهم من قتلى ومصابين.
ويضيف الشريف: من أخطأ يجب أن يعاقب، وحتى هذه اللحظة لا نستطيع أن نزعم وجود تغيير فى الإعلام لأنه بعد ٣٠ عاماً من كبت الحريات وتكميم الأفواه لا نستطيع أن نحدث نقلة مفاجئة لكن رغم ذلك لا ننكر أن هناك تغييراً للأفضل لكنه لا يتناسب مع الثورة ولا يواكب الأحداث فضلا عن أنه لا يزال هناك من يتمسح فى السلطة ويفكر بالعقلية القديمة ويسعى لإرضاء كل من يجلس على كرسى الحكم.



المصدر : المصري اليوم



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق