الاثنين، 3 يناير 2011

أبراج القاهرة تناطح أبراج بابل في انتظار الانهيار



تحكي اسطورة عبرانية قديمة أن البشر سكنوا جميعا في برج عظيم بمدينة بابل‏,‏ تطاولوا به علي الآلهة وناطحوها وأرادوا عبر ابراجهم هذه أن يبلغوا عنان السماء حيث بيت الاله‏,‏ فعاقبهم الاله
وقضي بتشتيتهم‏,‏ ففرقهم وشتت السنتهم وتحولوا من شعب واحد الي شعوب متصارعة شتي‏.‏هذه الحكاية القديمة يطرحها محمد عبلة في نبوءة فنية جديدة‏,‏ في معرضه الأحدث لن تجد وجوه واجساد البشر حاضرة‏,‏ ولكن ارواحهم التي حولت كل شيء علي امتداد البصر في المدينة الي خليط مشوه يفتقر للتناسق والجمال‏,‏ حاضرة وبقوة في كل لوحة من اللوحات متفاوتة الأحجام المعلقة علي جدران قاعة الزمالك للفنون حيث يقام أحدث معارض الفنان محمد عبلة ابراج القاهرة‏.‏ هذه الرؤية يؤكدها عبلة بقوله‏:‏ المباني لا تعكس شكل المدينة فقط ولكنها تعكس تركيبها الاجتماعي وقيمها‏.‏ وبالتالي تعكس حالة العشوائية والتخبط التي نحياها فالمبني يدل علي صاحبه‏.‏ في معرض محمد عبلة تقف اشكال متنافرة فوق بعضها البعض لوحات ضخمة تصور بنايات ضخمة متراكبة تجمع طرزا مختلفة‏,‏ مبان اسلامية تركب فوقها كتل عمودية اسمنتية ذات شرفات خانقة‏,‏ تقف بتبجح فوق شرفات الارابيسك الرحبة‏.‏ ويقول محمد عبلة‏:‏ هذه المباني تعكس حالة بانيها وساكنيها‏,‏ فالشخص السوي المتناسق لن يبني أو يسكن مبني شائها وقبيحا والعكس صحيح‏,‏ لهذا فلا صحة لمن يري ان البشر غير موجودين في المعرض‏,‏ فالبشر من سكان هذه المدينة هم بصيغة ما ابطال المعرض الرئيسيين‏.‏العشوائية التي يقاربها محمد عبلة في معرضه الآتي بعد المتاهة وأضواء المدينة هي امتداد لمشروعه الذي برز في معرضيه السابقين‏,‏ والذي يقدم من خلاله رؤيته لمدينة القاهرة‏.‏ ففي المتاهة ينقل محمد عبلة حالة البشر الذين توارت وجوههم في هذا المعرض تماما لكنهم يتنقلون في متاهة المدينة متخبطين في عشوائية واضحة‏,‏ وفي معرضه التالي أضواء المدينة انشغل محمد عبلة بالإضاءة الصناعية التي تنير ليل القاهرة ليعكس الوجه الذي يدعي الجمال والتحضر للمدينة المزدحمة الصاخبة‏,‏ وابتكر عبلة اصباغا خاصة تتيح له نقل صورة فنية لشكل القاهرة في المساء في صور غائمة يقول عنها عبلة‏:‏ لم يبتعد المعرض عن فكرة العشوائية‏,‏ فالحاضر فيه ليس الابهار لذاته ولكن مايحضر بقوة هو ما يخفيه هذا الابهار‏,‏ هذه الألوان وصبغاتها التي تزين القاهرة في محاولة لتجميل عشوائيتها‏,‏ التي تجعل اضواءها تتركز في صفوة احيائها وتنسحب عن مواضع أخري فيها‏,‏ ليختفي هذا الوجه العشوائي المظلم وسط طوفان الأضواء الباهرة التي يتزين بها ليل المدينة‏.‏ تطرح مشاهدة لوحات المعرض سؤالا حول سبب اختيار محمد العبلة للبرج‏,‏ فالعشوائية لها مظاهر متعددة‏,‏ الا انه اختار من بين كل تلك المظاهر شكلا معماريا يعد في رأي الكثيرين مظهرا دالا علي التحضر والرخاء الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي‏(‏ برج دبي وابراج المدن الكبري في الولايات المتحدة‏),‏ هذه الفكرة الشائعة التي تناقض ما يطرحه عبلة بوضوح‏.‏ لكن الفنان المخلص للتصوير الزيتي لا يترك المتابع للحيرة بشأن هذا السؤال طويلا‏,‏ ويجيب في دليل معرضه عنه فيقول‏:‏ أنا الآن في مرسمي الجديد وسط القاهرة‏,‏ من الشباك أري المدينة تمتد أمامي بشوارعها ومبانيها‏,‏ وفي كل يوم أختار أحد المباني لأعيش معه وأتأمل ما اعتراه من تغيرات‏..‏ تلك الأضافات الدائمة من اللون والاشكال‏,‏ تحول تلك المباني مع مرور الوقت الي كائنات حية تروي لي مئات الحكايات وتكشف مئات الأسرار‏..‏ اصبحت مأخوذا بتلك اللعبة‏,‏ لكنها قادتني للتساؤل عن القدر الذي تقودنا اليه هذه المدينة‏.‏ أو الي أين نأخذها نحن؟ وهل من سبيل لانقاذها؟‏..‏ هل هي ابراج القاهرة؟ أم هو برج بابل وعلينا أن نفكر جميعا في المصير الذي ينتظرنا الاف المرات مما يعيد طارح السؤال الي النبوءة العبرانية القديمة‏,‏ التي تتجلي مظاهر قرب تحققها في حياتنا اليومية التي تدب فيها مظاهر الفرقة والعنف المتبادل بين اطياف المجتمع المختلف كل يوم‏

الاهرام المسائي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق