الثلاثاء، 11 يناير 2011

جواسيس الفن يتكلمون



في لحظة غواية.. تبدأ رحلة صناعة الجاسوس.. وأمام هذه التجربة الإنسانية الموحشة وجد الفن أرضاً خصبة لصناعة دراما الجاسوسية.. من وحي قضية الجاسوس طارق عبد الرازق تكلمنا مع جواسيس الفن عن العلاقة بين الواقع والدراما.. وإليك التفاصيل.
إلى أي مدى وصل تطابق صورة الجاسوس في دراما الشاشة مع دراما الحياة بكل توصيفاتها؟ سؤال مهم فجرته قضية طارق عبد الرازق وبحثنا عن أولى إجاباته لدى الكاتب الكبير "نبيل فاروق" والذي يقول إن الجاسوسية علم له قواعد وأسس مثل لعبة الشطرنج لها أكثر من طريقة للعبها، ولكن قواعدها ثابتة لا تتغير..ويرى أن الأفلام التي تناولت شخصية الجاسوسية بعضها تماشى مع الخطوات الفعلية للجاسوسية وهي التجنيد ثم العمالة مثل فيلم "الصعود إلى الهاوية" الذي يروي قصة الجاسوسية "هبه سليم" حيث حكم عليها بالإعدام بعدما تبين أنها جاسوسة تعمل لصالح الموساد الإسرائيلي أثناء فترة الحرب، كما أن العديد من الأعمال الدرامية الأخرى قد أسردت تفاصيل وكواليس عمليات تجسس حقيقية حدثت بالفعل مثل فيلم "بئر الخيانة" وبالرغم من أن المساحة الدرامية كانت كبيرة بما فيها الكفاية إلا أنها لم تتطرق إلى أي حدث تم في العملية الأصلية، وكذلك في مسلسل "السقوط في بئر سبع" لسعيد صالح وإسعاد يونس في دور الجاسوسين اللذين قاما بخيانة بلدهما في مقابل المال، وقد حكى المسلسل بالفعل قصة الجاسوسية الحقيقيين "إبراهيم وانشراح" اللذين تم القبض عليه عام 74..ويضيف: في المقابل هناك بعض الأفلام التي تناولت هذه الشخصية الجاسوسية بشكل خيالي مبالغ فيه مثلما حدث في فيلم "إعدام ميت" للفنان محمود عبد العزيز.اعتراف خاص جداً أدلى به الفنان نور الشريف عن فيلمه "بئر الخيانة" قائلاً: لقد كرهت دور الجاسوس "جابر" في الفيلم مع العلم أنني من أكثر المتحمسين دائماً لأدواري التي قمت بأدائها على مدار رحلتي مع الفن، وربما هذا ما جعلني أقدم بعد ذلك شخصية ضابط المخابرات المصري في مسلسل "الثعلب" كنوع من التصالح مع نفسي ومع الجمهور..وعندما بادرنا بسؤال الفنان نور الشريف عن نوعية المشاعر التي تنتاب الفنان عند أداء شخصية الجاسوس أجاب: أداء أدوار الشر بكافة أنماطها وأشكالها كوم وأداء دور العميل الخائن لبلده كوم تاني خالص لأن تقديم شخصية الجاسوس ببساطة هو نوع من المغامرة بالنسبة لأي فنان فهو يدرك بالفطرة الفنية الخالصة كم ستكون ردة فعل الجمهور سلبية تجاه هذا الدور ولن ينال أي قدر ولو ضئيل من التعاطف وبالتالي كلما كان اجتهاده وإتقانه في أداء الشخصية متميزاً كلما أنصب ذلك على مزيد من الكراهية له بغض النظر عن كون المسألة تمثيلاً ومن ثم لنا أن نتخيل حجم الخوف والقلق والرعب الذي يسيطر على هذا الفنان أو ذاك ممن يقدم على خوض مثل تلك الجريمة التي أقل ما توصف بأنها رهيبة..ويضيف: بالرغم من كل هذه الاعتبارات والمخاوف التي تسود العمل الفني عموماً الذي يتناوب جوانب حياتية للجواسيس فإن هذه الأعمال في حد ذاتها ضرورية جداً لمصلحة المجتمع عموماً والأجيال المتعاقبة على وجه الخصوص وإلا فكيف يتعرف الشباب على مدى جرم هذا الفعل الشنيع ما لم يتم تحويلها إلى أعمال درامية تحوي عبرة وعظة..أما الفنان سعيد صالح فكشف أنه أثناء إذاعة حلقات مسلسل "السقوط في بئر سبع" وبعدها ظل يشعر لعدة شهور بأنه منبوذ مكروه من الجميع بل امتد الأمر إلى أن الناس كانت تتجنب التحدث معه وكأنه اقترف جرماً بشعاً.ويرى الفنان سعيد صالح أن الشخصية رغم أنها قصة حقيقية مستوحاة من واقع ملفات المخابرات العامة المصرية إلا أن تحويلها في سياق درامي إلى شخصية من دم ولحم استغرق وقتاً طويلاً لكي تخرج في إطارها الذي شاهده الجمهور لاسيما أن التعامل في مثل هذه النوعية من البشر يتطلب التعايش التام بمعنى الانفصال عن الواقع نهائياً والتقمص الوجداني لاحظ نماذج البشر إجراماً..ويشير سعيد صالح إلى أن صورة الجاسوس وزوجته كثيراً من الواقعة الحقيقية التي تم "الشغل" عليها ويعود الفضل إلى هذا المؤلف صاحب الورق والمخرج الذي كون حريصاً على احتواء العمل على أعلى درجات المصداقية..وعلى الرغم من أن شريف سلامة قد جسد دور الجاسوسية الخائن لبلده عبر مسلسل "حرب الجواسيس" إلا شخصية الشاب المصري نبيل سالم الذي يهاجر إلى أوروبا بحثاً عن فرصة عمل فتلتقطه أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وتنجح في الإيقاع به وتجنيده لصالحها قد استطاعت أن تفجر حفنة مشاعر وأحاسيس متناقضة ومتداخلة لدى جمهور المشاهدين تارة بالكراهية وتارة أخرى بالتعاطف..وعن الشخصية وكواليسها وملابساتها يقومل شريف سلامة: الحمد لله أنني حققت المعادلة الصعبة وكسرت الحاجز التقليدي في أداء شخصية الجاسوس والتي انتزعت في بعض الأوقات ولاسيما في مشهد النهاية على تعاطف الجمهور معها وليس كما هو مفترضبأن أي ممثل يقوم بأداء دور الجاسوس الذي يخون بلده ويخون نفسه لحساب العدو سوف يفقد كل مشاعر التعاطف معه من جانب الجمهور خصوصاً أن المتفرج المصري عاطفي بطبعه يحكم على الأشياء بقلبه أكثر مما يُحكم فيها عقله.أما مهمة المؤلف في هذا الإطار الدرامي فيتحدث عنها الكاتب إبراهيم مسعود قائلاً: إن دور الكاتب لا يقتصر على النقل الحرفي المباشر للوقائع والأحداث من الملفات والسجلات فحسب بل إن هذا النوع من الكتابة تحديداً لابد أن تصاحبه حالة إبداعية خاصة جداً تحتاج إلى بعض الخيال الدرامي.الناقد الفني أحمد صالح يرى أن أفلام الجاسوسية تعتمد أساساً على ملفات حقيقية موجودة في الإدارة العامة للمخابرات، ولذلك يقتنع المشاهد بكل أحداثها وتفاصيلها المثيرة حتى ولو تخلل العمل الفني بعض عناصر الخيال الدرامي سيصدقونه أيضاً باستثناء بعض تلك الأعمال التي تتسم من أولها لآخرها بأنها من وحي خيال مؤلفها ولا هدف من ورائها سوى الاتجار وبالتالي لا تحظى بالمصداقية والإقناع من قبل المشاهدين، وأعتقد أن النوع الأول الحقيقي أفضل بكثير لأنه ينقل لنا واقعاً صادقاً وملموساً بعكس النوع الثاني الذي يعتمد على الخيال وبالتالي يتسبب في ترسيخ صورة خاطئة في أذهان الجمهور.المخرج على عبد الخالق مخرج فيلم "إعدام ميت" لمحمود عبد العزيز يرى أن من أهم ملامح هذه الدراما التي تراوحت كالعادة بين ما هو جيد وما هو رديء أنها أعمال تنافسية، بمعنى أنها معركة ضارية بين المخابرات المصرية والمخابرات الإسرائيلية، والآخر اليهودي هو صورة واقعية تنجح وتفشل.. تنتصر وتنهزم مع الاحتفاظ بميزة النصر النهائي للأنا المصري، اليهودي لم يعد الضعيف المختل عقلياً الذي يعتمد بشكل أساسي على النساء من أجل الإيقاع بعملائه، رغم أن تيمة الإغواء عن طريق المرأة كانت ولا تزال تظهر دائماً بقوة فضلاً عن أن الممثلين الذي يلعبون دور اليهودي لم يعودوا أولئك الممثلين النمطيين.

المصدر : جريدة وشوشة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق