




مقعد بين الشاشتين
بقلم : ماجدة موريس
* تتزايد بالتدريج علي شاشاتنا أفلام ومسلسلات الذهاب إلي أمريكا. والبحث عنها لدي المصريين المهاجرين إليها ويتضخم "حلم الهجرة" الفني مقابل اتساعه في الحياة الفعلية. لكن فيلم "عسل أسود" يقوم بالعكس. حين يعود بطله المصري الأمريكي إلي بلده الأصلي باحثا عنها. وحين يأتي إليها وحيدا بعد عشرين عاما من الفراق. وبعد أن مات الأب الذي كان همزة الوصل مع الوطن القديم.. والقصة مغرية هنا بالتعمق والاستسهال معا. لكن مؤلف الفيلم خالد دياب ومخرجه خالد مرعي وضعاها في المنطقة الوسط بين هذا وذاك. ربما من أجل جمهور أكبر. أو حرصا علي السمعة الكوميدية لبطل الفيلم أحمد حلمي الذي يبدو اهتمامه واضحا بالبحث عن الأفكار المختلفة. لأفلام تثير الضحك ولا تغلق العقل أو تعطله في نفس الوقت.. ومراجعة ثلاثيته الأخيرة "آسف علي الازعاج" ثم "ألف مبروك" وفيلمنا هذا "عسل أسود" مؤشر علي هذا.. * تبدأ أحداث "عسل أسود" في الطائرة القادمة من أمريكا لمصر "وتنتهي بنفس المشهد. لكنها الطائرة العائدة لأمريكا" حيث يجلس الشاب "مصري السيد العربي" بجانب مهاجر آخر. يحدثه عن الوطن الأم الذي يعود إليه لأول مرة بعد سنوات طويلة. ولهذا حضر بجواز سفره المصري. لأنه لن يحتاج للأمريكي هنا بينما يبتسم جاره في الطائرة بسخرية خفيفة. فقد كان ملما بالموضوع أكثر منه. وليبدأ الموضوع "فور وصول صاحبنا إلي المطار واقتناص سائق سيارة أجرة له هو اخي "لطفي لبيب" واستغلاله أبشع استغلال بعدما أعرض عنه أولا حين وجده يتكلم العربية! بعدها ينقسم الفيلم تقريبا إلي قسمين. الأول يقدم صور استغلال الآخرين للشاب باعتباره أمريكيا ثم تغير المعاملة إلي الأسوأ حين يكتشفون أنه لا يحمل الباسبور المرعب. وهو ما يدفعه إلي إحضار الباسبور المهم بعد إلقاء الأول في النيل. غير أنه يكتشف من خلال مشهد مهم. أنه لا حصانة أيضا للباسبور الأمريكي حين يتعلق الأمر بمظاهرات العداء للسياسة الأمريكية وحيث يصبح ألعوبة ما بين رجال الأمن الذين طالبهم بحق السائق المهدر. وبين رجال الغضب ضد أمريكا وكل من يتغني بها.. وهي مفارقة لم يستطع الفيلم تعميقها والإضافة إليها فيما بعد. أو لم يرغب صناعة هذا. وإنما كانت سببا لاتجاه مختلف للشباب الذي أصبح بلا هوية مهدداً مثل غيره ممن لا يحملون بطاقات. وهنا يبدأ القسم الثاني من الفيلم الذي يكشف له عن وجه آخر لمصر "القاهرة تحديدا" ووجه آخر لنفس الشخص "راضي" الذي تغير تماما بعد أن دافع عنه وطالب بحقه. وحيث يقرر مصري العودة إلي بيت الأسرة القديم. ليقع أسير ناس أكثر قدما. وعراقة هم عائلة سعيد تختخ صديق طفولته وجاره "إدوارد" وأمه الطيبة "أنعام سالوسة" التي جمعت أبناءها في محبة وإخلاص لا مثيل له حتي ابنتها المتزوجة مع إيقاف التنفيذ تحملتها مع زوجها الذي لم يقدر علي الحصول علي شقة.. يتداخل مصري مع سعيد وبالتدريج تسقط الحواجز بينهما ويصبح أحد أفراد الأسرة بدون لزوم للمشهد الذي يلقنه فيه عم هلال "يوسف داود" الجار الوحيد الغضوب درساً في الاحتمال والصبر. ففي هذه اللحظات يصبح شريط الصورة وما به من علاقات ومتغيرات أهم وهو ما تحقق بالفعل في مشاهد عديدة بدت فيها أهمية قيم التكافل والتراحم في المجتمع المصري القديم أو التقليدي في جعل الحياة أفضل برغم ما فيها من ضيق "مشاهد مساعدة سعيد لكل جيرانه وحرص أمه علي طقوس البهجة وموائد الرحمة الرمضانية وعربات الفول" أنضوي سعيد تحت رعاية لم يشعر بها من قبل فبدأ يفكر في رد هذا العطاء. وحين استرد الباسبور الأمريكي وكل ما ضاع منه سارع بحجز تذكرة العودة. لكنه كان قد أصبح منتميا بالفعل. وهو ما بدا من اعطائه مفتاح شقته لأم سعيد من أجل ابنتها وزوجها. واهدائه الكاميرا لسعيد الماهر العاطل.. وأتصور أن المشهد الأخير لهذا "المنتمي" وهو يحتال علي المضيفة لتعيده إلي مصر غير ضروري. وغير منطقي.. ويقلل كثيرا من قوة الفكرة وسبل الوصول إليها عبر التتابع الفيلمي. استطاع المخرج خالد مرعي أن يقدم لنا عبر لغة الصورة معزوفة ثرية في مواضع عديدة. وأقل منها في مواضع أخري برغم وجود فريق مبدع معه مثل سامح سليم مدير التصوير وأيضا فريق التمثيل الذي قاده أحمد حلمي بحرفية وقع لطفي لبيب ممثل الكاركترات القدير وأنعام سالوسة وأحمد راتب "في مشهد رائع واحد" ويوسف داود. مع إعادة اكتشاف لإدوارد وفريق أخوته وزوج الأخت حتي الطفل ذي الأداء المؤثر.. وأضافت موسيقي الفنان عمر خيرت ظلاً أبرز تحولات الدراما المختلفة أما المونتاج. وهو هنا للمخرج نفسه باعتباره مونتيرا بارعا في الأساس. فقد تذبذب ليهبط بالإيقاع مرات في الجزء الثاني من الفيلم علي العكس من المطلوب..
الجمهورية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق