الأحد، 6 يونيو 2010

الكنيسة والقضاء وصدامهما الحزين


معظم الناس - مسلمين ومسيحيين - متعاطفون مع المنطق التالى: الزواج والطلاق من شؤون الكنيسة، حدده الكتاب المقدس فلماذا يتدخل القضاء فى العقائد الدينية؟ هل يقبل المسلمون أن يحكم القضاء بما يتعارض مع شريعتهم، خصوصا فى المسائل الحساسة التى تتعلق بالنسب والأعراض؟ هل تقبل- أيها المسلم- أن يسمح القضاء بزواج المسلمة فى فترة العدة؟! إذا كانت ثمة مشكلة فقد صنعها القضاء بتدخله فيما لا يعنيه، وشريعة الله أولى بالاتباع من شريعة البشر، وطاعة الله مقدمة على طاعة القضاء.
وجهة النظر الأخرى تؤكد أن المحكمة لم تتدخل فى الشرائع المسيحية، ولا تطوعت بدس أنفها فيما يخص الكنيسة، بل كانت مجبرة على نظر الدعوى التى رفعها مسيحى مُتضرر مما يراه إجحاف الكنيسة به. والكنيسة - مع وافر الاحترام لها - ليست فوق القانون، لأنها - ببساطة - يديرها بشر غير معصومين.
وما تمارسه الكنيسة من سلطات إنما خولها لها القانون لتسيير الأمور ورعاية أحوال المسيحيين، والقضاء من واجبه أن يراقب المسؤول الدينى - فى حالة الشكوى- ليتأكد من عدم تجاوزه صلاحياته، ذلك أننا نعيش فى دولة واحدة يحكمها قانون، وهذا ليس تدخلا فى العقيدة المسيحية ولكن إعلاء لقيمها العظيمة.
المحكمة لم تصدر هذا الحكم لأنها مسلمة، أو غير مقتنعة بعدالة الشريعة المسيحية أو ترغب فى تحديها، فالقاضى أصلا ليس سلطة تشريعية، بل ينفذ القانون الموجود مسبقا، الذى هو فى هذه الحالة لائحة الأحوال الشخصية للأقباط التى أجازت مادتها ٦٩ زواج المطلقين.
وقد رأى القاضى - من الأوراق المعروضة أمامه- أن الكنيسة تعاملت بشكل مختلف مع طرفين لهما نفس المركز القانونى حين منحت المطلقة- ولم تمنح المطلق- تصريح الزواج. القاضى اقتنع بأن هناك ظلما حاق بالطرف المتضرر، والزواج وتكوين الأسرة حق دستورى يعلو فوق كل الحقوق، إذا تم حجبه فقد يدفعه للرذيلة ويعود بالضرر على المجتمع.
وقد أوضح نيافة البابا فى حديثه المنشور بالأهرام أن لائحة الأحوال الشخصية هى أصل المشكلة حيث وضعها علمانيون مسيحيون على غير رضا من رجال الدين. هذا معناه أن القاضى لم يكن أمامه أى خيار غير تنفيذ القانون، ولو أصدر أى حكم آخر لكان معناه أنه - كنوع من المجاملة للكنيسة- يخالف القانون.
...........
والسبب الذى دفعنى للكتابة فى هذا الموضوع الشائك أننى لا أستطيع أن أنتقد التشدد الإسلامى ثم أغمض عينى عن التشدد المسيحى. لكى يحترم الكاتب قراءه- ويحترم نفسه قبل أى شىء آخر- فإنه يجب أن يحكمه منطق واحد مؤمنا أنه لا أحد يعلو فوق سلطة القانون.
إنه ليعز علينا هذا الصدام المؤسف بين المؤسستين العظيمتين، ولكن إذا تجاهلت الكنيسة الموقرة الأحكام القضائية، فلن يستطيع أحد أن يمس مقام البابا المصون بسوء، ولكن لن يكون لكلامنا مصداقية إذا انتقدنا التشدد الإسلامى بعدها أو طالبنا بالدولة المدنية.
المصري اليوم - د. أيمن الجندى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق