الاثنين، 24 يناير 2011

وهذا أضعف الإيمان

ابراهيم سعده - الاخبار
في‮ »‬الأخبار‮« ‬ أمس نشر زميلنا النابه جمال حسين تغطية متابعة للخبر الذي انفرد به عن الشاب الذي حكم عليه بالسجن وغرامة‮ ‬900‮ ‬ألف جنيه بعد إدانته بجريمة لم‮ ‬يرتكبها‮!‬تفاصيل المأساة أن مهندس حي المعصرة بحلوان حرر ضد‮ »‬المتهم‮« ‬محمد سويلم‮ - ‬بائع اللب‮ - ‬6‮ ‬محاضر بتهمة تعلية‮ ‬4طوابق مخالفة بعمارة سكنية،‮ ‬رغم أن‮ »‬سويلم‮« ‬لا‮ ‬يملك تلك العمارة وإنما هو مستأجر إحدي شققها‮! ‬وعبثاً‮ ‬حاول البريء/المدان أن‮ ‬يقنع أحداً‮ ‬ببراءته‮. ‬فالمحكمة حكمت بعد تأكدها من‮ »‬أدلة ومستندات‮« ‬السيد باشمهندس الحي وبالتالي عليه أن‮ ‬يرضي بما ناله وأصابه‮!‬فور نشر‮ »‬سكوب‮« ‬صحيفة‮ »‬الأخبار‮« ‬اتصل محافظ حلوان السيد قدري أبوحسين بالزميل جمال حسين معرباً‮ ‬عن حزنه وألمه لما تعرض له ابن حلوان من ظلم دفع به إلي السجن،‮ ‬مؤكداً‮ ‬أنه سيجمع كل الأطراف فوراً‮ »‬لرفع هذا الظلم وقطع رقبة من تثبت التحقيقات أنه تسبب في هذه المأساة‮«. ‬ووعد بمخاطبة النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود لإعادة الاستيفاء والتحقيق من جديد حتي تثبت الحقيقة،‮ ‬بحكم قضائي أيضاً‮.‬مأساة مفزعة أن‮ ‬يظلم مواطن ويحكم عليه ثم‮ ‬يتبين فيما بعد براءته،‮ ‬لكن ما حدث للشاب‮ »‬محمد سويلم‮« ‬ليس بدعة،‮ ‬ولا‮ ‬يمثل سابقة نادرة‮. ‬ومن الطريف أن أجهزة الإعلام العالمية انشغلت منذ أيام معدودة ماضية بمأساة مشابهة حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية،‮ ‬وإن كانت أفظع مليون مرة من مأساة الشاب المصري‮.‬محمد سويلم لم‮ ‬يمض في السجن سوي‮ ‬10أيام فقط من فترة عقوبته،‮ ‬وأفرج عنه انتظاراً‮ ‬لإعادة النظر في قضيته،‮ ‬أما‮ »‬المجرم/البريء‮« ‬الأمريكي فقد أمضي ثلاثين عاماً‮ ‬مسجوناً،‮ ‬قبل أن تُكتشف براءته‮!‬منذ أكثر من ثلاثين عاماً‮.. ‬عثر علي فتاة أمريكية ‮ ‬15عاماً‮ ‬ مقتولة في مكان مهجور،‮ ‬وتبين أن القاتل قام باغتصابها بوحشية‮.. ‬قبل تمكنه من الهروب‮. ‬وبعد ساعات تم القبض علي شاب أسود ‮ ‬20‮ ‬عاماً،‮ ‬متزوج وزوجته في شهور حملها الأولي ووجهت إليه العديد من أفظع التهم‮: ‬خطف فتاة قاصر،‮ ‬واغتصابها،‮ ‬وقتلها‮. ‬وجاء‮ »‬شهود ما شافوش حاجة‮« ‬ مع الاعتذار لفناننا الكبير عادل إمام أكدوا تعرفهم علي‮ »‬المجرم‮« ‬متلبساً‮(..).‬وأصدرت المحكمة الأمريكية حكمها بالسجن علي الشاب الأمريكي ب150عاماً‮ ‬أو لحين وفاته‮.. ‬أيهما أقرب‮!‬ثلاثون عاماً‮ ‬أمضاها‮ »‬المجرم‮« ‬يبكي داخل زنزانته ويقسم بأغلظ الايمان لكل من‮ ‬يراه أو‮ ‬يسمعه أو‮ ‬يخاطبه بأنه لم‮ ‬ير هذه الفتاة من قبل،‮ ‬ولم‮ ‬يخطفها،‮ ‬ولم‮ ‬يمسسها،‮ ‬وبالتالي فهو بريء من اغتصابها وقتلها رغم أنف كل شهود الزور‮. ‬وبالطبع لم تصمد طعونه في الحكم أمام شهادات المكفوفين،‮ ‬وتحريات المخبرين،‮ ‬ولا مبالاة المحققين‮.. ‬فأيدت المحاكم باختلاف درجاتها الحكم المؤبد‮.. ‬المرة بعد الأخري‮.‬في بداية الشهر الحالي‮.. ‬وبعد مرور‮ ‬30عاماً‮ ‬سجناً‮ ‬اقتنع النظام القضائي الأمريكي بخطئه الرهيب في حق مواطن أمريكي ألقوا به في السجن وهو دون العشرين من عمره ثم أفرجوا عنه بعد تخطيه سن الخمسين‮!‬أجهزة الإعلام الأمريكية لم تمر مرور الكرام علي هذه النهاية‮ »‬السعيدة‮« ‬التي جاءت متأخرة ثلاثة عقود كاملة‮. ‬وتنافست الأقلام والأصوات علي المطالبة بالبحث والتنقيب داخل ملفات القضايا المتراكمة للكشف عن نماذج متشابهة أقل فظاعة،‮ ‬أو أكثر بشاعة ضحاياها داخل السجون أو قضوا نحبهم رغم براءتهم مما أدينوا به‮.‬وشاهدت علي شاشة التليفزيون‮ ‬ الأسبوع الماضي القاتل/البريء الأمريكي وهو‮ ‬يتحدث عن مأساته،‮ ‬وكان كريماً‮ ‬لأقصي درجة مع من ظلموه،‮ ‬قائلاً‮: ‬إنه في البداية كان ساخطاً‮ ‬علي كل شيء و‮ ‬يائساً‮ ‬من أي شيء‮.. ‬لكنه مع مرور السنوات وبلوغه من العمر عتياً‮ ‬ أصبح متصالحاً‮ ‬مع نفسه،‮ ‬متسامحاً‮ ‬مع من أضاعوا خطأ لا عمداً‮ ‬ أجمل سنوات شبابه وحرموه من طفلته وزوجته وعمله وأصحابه‮.. ‬ويريد الآن أن‮ ‬يعوض ما فاته وضاع منه‮.‬التسامح مع الظالمين لا‮ ‬يعني التنازل عن أبسط حقوق المظلومين في تعويضهم مادياً‮ ‬علي الأقل مادام من المستحيل إضافة‮ ‬30عاماً‮ ‬إلي عمره‮. ‬هكذا طالب الرأي العام الأمريكي‮.. ‬وهكذا وافق من حيث المبدأ عتاة وكبار النظام القضائي في الولايات المتحدة‮.. ‬وقيل أنه تقرر تعويض الرجل بما لا‮ ‬يقل عن مليوني دولار‮.‬‮ ‬وهذا أضعف الايمان‮. ‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق